انظر إلى موقف اليهود من الله عز وجل الذي هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، نسبوه إلى البخل والشح: (لما نزل قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة:245] أتى اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا له: يا محمد! افتقر ربك فاستقرض العباد -يعني: أصار ربك فقيراً بعد أن كان غنياً يطلب القرض من الخلائق؟ - فنزل قول الله عز وجل: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181]) فالله عز وجل شاهد على قول اليهود.
كما أنهم جعلوا من المخلوقين أبناء لله عز وجل، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] وهذه مقولة اليهود، وعزير بريء منها، ومن بعدهم قالت النصارى نفس المقولة: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] وعيسى عليه السلام بريء من قولة النصارى كذلك، إنما الله تعالى إله واحد لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون.
وكذلك اليهود هم الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64]، فنسبوا الغل -وهو كناية عن الشح والبخل- لله عز وجل، إذا كان له أخذ، وإذا كان عليه لا يعطي، سبحانه وتعالى عما يشركون {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]، (خزائنه ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أي: لا تنقصها نفقة مهما أنفق.
انظروا إلى ما أنفق الله عز وجل منذ أن خلق السماوات والأرض إلى يومنا هذا، بل إلى قيام الساعة، بل بعد قيام الساعة، وفيضه بالنعيم على أهل رضوانه وأهل جنته، هل نقص ذلك من ملك الله تعالى شيئاً؟
صلى الله عليه وسلم لا، إلا كما ينقص البحر إذا أدخل أحدكم فيه إبرة، وهذا شيء لا يكاد يذكر، ولذلك خزائن الله تبارك وتعالى ملأى لا تغيضها نفقة، لكن اليهود أبوا إباء شديداً إلا أن ينبسوا الله تبارك وتعالى إلى النقص والعجز والتقصير، معاذ الله أن يكون كذلك، وتتبع خطواتهم النصارى.
هذا موقفهم من الله عز وجل باختصار شديد، فما موقفهم من الملائكة؟