وقالت عائشة لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى.
قالت: يا رسول الله! إني لما قرأت قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32] قلت: إن ذلك لتام.
قال النبي: يا عائشة! إنه سيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون) بشارة عظيمة وإن خالطها شيء مما يقول الناظر إنه هزيمة، وليس في حقيقته كذلك.
وهذا تميم الداري ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار).
(ليبلغن هذا الأمر) أي: هذا الدين وعقيدة التوحيد في كل بقاع الأرض شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فوق وتحت.
(ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) أي: يدخل في كل مكان، ويسمع به كل إنسان، وهذا نصر عظيم.
انظروا من بدأ بهذه الدعوة؟ واحد فقط، النبي عليه الصلاة والسلام، ثم اثنان وثلاثة وأربعة، رجال ونساء، صبيان وغلمان، عبيد وأحرار، وظل الأمر ينتشر ويتسع حتى سمع به الإنس والجن، أليس هذا أعظم نصر لعاقبة الصبر على الإيمان والتوحيد؟ (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر -أي: في الحضر والقرى والبوادي- إلا أدخله الله تعالى هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر).
وفي حديث ثوبان: (إن الله زوى لي الأرض) أي: جمع وضم لي الأرض.
(كأنها رقعة قماش) ينظر إليها النبي عليه الصلاة والسلام.
(إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها -ثم تأتي البشارة- وإن ملك أمتي سيلغ ما زوي لي).
هذه الأمة هي التي تملك زمام الأمر، وتملك قيادة العالم، لأنها ملكت زمام العالم أولاً، وسيكون هذا العالم تحت إمرة أمير واحد ومهدي واحد، وخليفة لأهل الإيمان على منهاج النبوة، وعلى منهاج الخلافة الراشدة كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وسكت للدلالة على أن هذا هو آخر الأمر في آخر الزمان.
وكذلك لا بد من عودة الرخاء والأمن لبلاد العرب خاصة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تكون أرض العرب مروجاً وأنهاراً)، وهي كائنة وقائمة، ولذلك من بين أغراض أهل الكفر والطغيان استغلال ثروات العرب والمسلمين من الذهب والبترول والصناعات وغير ذلك، هم يريدون لنا أن نكون أمة تابعة لا أمة متبوعة، أمة ذليلة لا عزيزة، عملوا لذلك بالليل والنهار ونجحوا في بعض خططهم، ولكن الله تعالى لن يمكن لهم أبداً، فهو يختار ويصطفي من عباده قلة قليلة لمحاربة تلك الأمم الكبيرة الكافرة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249].
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره) للدلالة على أن الخيرية قائمة وباقية في الأمة ما بقيت الدنيا، فكما أن الخير فيها أولاً فكذلك الخير فيها آخراً، وما بينهما خير.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي.
قال الراوي أبو هريرة: فهذا النبي قد مات وأنتم تنتشلونها) أي: مفاتيح الأرض وقيادة الأرض بين أيديكم يا أهل الإيمان، تنتشلونها جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، وزماناً بعد زمان، ومكاناً بعد مكان، وغير ذلك مما يدل على البشارة العظيمة.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود -أي: على أرض فلسطين- حتى يختبئ اليهودي خلف الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود)، وهذا الشجر يزرع الآن في بلاد الشام، وهذا يدل على قرب الموعد وقرب الملحمة الكبرى بين أهل الإيمان وأهل التوحيد، ليتبين أن موشي ديان عليه لعنة الله ذاك المصري اليهودي الذي كان يعمل وزيراً للدفاع في دولة اليهود، ذهب ليزور مدارس قرية من قرى فلسطين، فأراد أن يسلم على أبناء المدرسة فامتنع تلميذ من التلاميذ عن مصافحته، قال: إليك عني يا عدو الله، أخذتم بلادنا، وسلبتم حرياتنا، وانتهكتم مقدساتنا، وتريد أن أضع يدي في يدك، كلا والله، وإن وعد رسول الله ووعد الله لا بد أن يتحقق فيكم، إن الملحمة تكون بيننا وبينكم أنتم شرقي النهر ونحن غ