قامت هذه الفئة في فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير وبلاد الألبان وغيرها من بقاع الأرض برفع راية الجهاد في سبيل الله؛ لإظهار دعوة الحق، ولتبليغ الحق إلى الخلق، فما أخطأوا وما أرهبوا، وإنما أرادوا أن يقوموا بأعظم واجب اعتقدوه -وهو اعتقاد صحيح- أن الله تعالى أوجب عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، أوجب عليهم أن يبلغوا دين الحق إلى الخلق، فلا غروا حينئذ أن يرفعوا راية الجهاد لمن وقف حجر عثرة في سبيل ذلك.
وقد انتصروا بفضل الله عز وجل، وجعلوا العالم أجمع يسمع بمحمد ودعوته وعقيدته وشريعته صلى الله عليه وسلم، وهذا أعظم نصر، ذهب الأشخاص وبقيت عقائدهم ترفرف على وجه الأرض ليسمع بها القاصي والداني، أي نصر بعد هذا النصر؟ وأي فلاح ونجاح بعد هذا الفلاح وذاك النجاح؟ لا شيء بعد ذلك، حسبهم أن الله تعالى قد رضي منهم أفعالهم وأقوالهم، حسبهم أنهم فئة قليلة قامت عليهم سائر ملل الكفر وأجلبت عليهم بخيلها ورجلها، ثم هم إلى الآن لم يحققوا أدنى نصر في مواجهة تلك الفئة القليلة من أهل الإيمان إلا ما قد أظهروا من كلمات رنانة، بينما أولئك قد رفعوا سواعدهم للدلالة على النصر المبين، تلك هي الهزيمة لملل الكفر، فما فعلوا بكلماتهم التحسين للوجه القبيح، والمداراة لذلك الخزي والعار الذي لحق دولة الصليب العظمى أمريكا ومعها أوروبا ومن كان معهم من العرب والعجم على السواء.
نعم.
هم يدارون خزيهم وعارهم وهزيمتهم على أرض فلسطين وعلى أرض أفغانستان، ويقولون: في كل يوم نقتل كذا وكذا، القتلى عندنا نحسبهم عند الله شهداء، وذاك مرادنا إما النصر أو الشهادة، وهذا هو مبتغى المؤمن من ربه في الجهاد إما أن ينصره الله ويثبت بهذا النصر دينه وعقيدته، وإما أن يختاره الله تعالى إلى جواره.
وهذا نصر عظيم للأفراد والجماعات.
نعم.
المؤمن يدور أمره بين خيرين لا شر فيهما: النصر أو الشهادة، لكن ماذا ينتظر هؤلاء؟ من المعلوم أن أمريكا في أفغانستان وفلسطين على السواء تعاني من حرج شديد أمام العالم أجمع، ففي أفغانستان يزعمون النصر، وأن طالبان والقاعدة والمجاهدين في أفغانستان ذهبوا إلى حيث لا رجعة، بينما أمريكا تورطت أخيراً مع روسيا في قتال 70 ألفاً من جند طالبان على أرض روسيا، من أين هؤلاء 70؟ ما كنا نسمع بهم من قبل، كيف وقد زعموا أن طالبان من أولها إلى آخرها لا تزيد عن 19 ألفاً؟ فما بالهم الآن يقولون: إن 70 ألفاً من طالبان هربوا من جبال أفغانستان إلى جبال روسيا؟ إن هذا العدد الزائد ما هو إلا من جند أمريكا الذي نزل على أرض أفغانستان ليحارب فمنَّ الله عليه بالإسلام فانضموا إلى صفوف طالبان.
أليس هذا نصراً من عند الله عز وجل؟ أليس هذا نصراً وتأييداً لدين الله تعالى؟ النبي عليه الصلاة والسلام لما دخل على الغلام اليهودي يعوده في مرض الموت ويدعوه إلى الإسلام والإيمان قال له: (يا غلام! قل لا إله إلا الله تنجو بها من النار، فنظر الغلام إلى أبيه فقال له: أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بالشهادتين ثم فاضت روحه إلى باريها، فخرج النبي فرحاً وهو يقول: الحمد لله الذي نجى بي نفساً من النار).
نفس واحدة فما بالكم بالآلاف المؤلفة نجت من جراء تلك الحرب على يد هذه الفئة القليلة العارية الحافية الجائعة التي سكنت الجبال والتحفت السماء، قتلوا برداً وجوعاً، ومع هذا أتت أمريكا من تلك البلاد البعيدة لتقاتلهم، ثم تبدو سعيدة بهذا النصر الذي أوهمتنا أنه نصر، وليس الأمر كذلك.
هذا عين ما فعلته أمريكا، وإن شئت فقل: ما فعله الصليبيون على أرض أفغانستان في محاربة أهل الإيمان، يظنون أنهم تخلصوا من ثلة أهل الإيمان ممن رفعوا راية الجهاد، ولا والله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون دونه، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
هذه هي عقيدة الثبات على دين محمد عليه الصلاة والسلام، أمر لا يكل ولا يمل منه المؤمن، يقدم نفسه فداءً له وهو راض، أرأيتم رجلاً يهراق دمه ويعقر جواده في سبيل الله، وهو راض بل حريص على ذلك، أناس يحرصون على الموت حرص أهل الكفر على الحياة.
هذه هي سنة الله تعالى، حرب طاحنة بين الفريقين، ونحن لا نعبأ بمن قتل من الجانبين، وإنما نعبأ بالنتيجة الحتمية لبقاء الإيمان وزوال الكفر.
هذا هو الذي كان وسيكون إلى قيام الساعة.