التاسعة: أن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء، لكن لابد أن تحقق العبودية في قلب العبد، وقد خير النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون ملكاً رسولاً، أو عبداً رسولاً، فقال جبريل عليه السلام: يا محمد، تواضع، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (بل عبداً رسولاً)، وقال: (إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأشرب كما يشرب العبد)، وقال لما قام الليل كله حتى تفطرت قدماه، وأشفقت عليه نساؤه، قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً).
والعبودية والعبادة: هي فعل الأوامر واجتناب النواهي، إذا امتثلت الأمر واجتنبت النهي فقد حققت العبودية، والعبادة: هي كل أمر يحبه الله عز وجل من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله.
ثم قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17].
كم من طاغية هلك لا ذكر له، وكم من عالم مات يحيا الناس بذكره الآن، تصوروا كم ملايين يأتون يوم القيامة في صحيفة حسنات ابن حجر، أو النووي، أو الذهبي، أو ابن معين، أو الشافعي، أو ابن حنبل، أو مالك أو غيرهم من أئمة الإسلام، فنحن عند ذكر هؤلاء نذكر النبي صلى الله عليه وسلم، الواحد منهم بأمة وزيادة؛ لأنه يتكلم عن الله عز وجل، وكلامه كله علم ونور وبصيرة، ولذلك لا يقارن أهل الجهل جميعاً بواحد فقط من أهل العلم، لا يستوي أهل العلم وأهل الجهل، فلا مقارنة بينهما: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17]، كالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.