لما قام إخواننا -بارك الله في جهودهم، وسددهم ووفقهم لكل خير- بتحطيم الأصنام المعبودة في أفغانستان قامت الدنيا عن بكرة أبيها ولم تقعد، واختلفوا في ذلك اختلافاً عظيماً، ومنهم: أصحاب العمائم للأسف.
فمنهم من قال: هذا أمر غير مشروع، وقد أبعد النجعة.
ومنهم من قال: الأمر مشروع، ولكن ليس في التوقيت المناسب.
وأنا من أصحاب هذا القول في أول الأمر، فلابد أن يسبق ذلك تعليم وإزالة للجهل بين الناس، فإن الناس كثيراً ما يقعون فيما يستوجب الحد بجهل وغباء وحمق، فلابد أن يعلّم الجاهل وأن يهيأ لإقامة الحد عليه، فلما سمعت بعمل إخواننا في أفغانستان، قلت: العمل مشروع، ولكن ليس هذا هو التوقيت، بل لابد أن يسبق ذلك دعوة إلى الله عز وجل، وتعليم للناس، وإني الآن أنسحب بالقول وأنخلع منه كما ينخلع السيف من غمده؛ وذلك لأن شرط القدرة والتمكين متوافر في هؤلاء، فقد قاموا في هذه البقعة من قبل بالدعوة إلى الله عز وجل، ونبذ الشرك سنوات وسنوات، فلا يبقى إلا إزالة عين المنكر، فقاموا إلى الأصنام وحطموها، وقاموا إلى الأنصاب وداسوها وكسروها، وهذا أعظم واجب عليهم: الحيلولة بين الناس وبين أن يشركوا بالله عز وجل.
فماذا ينقمون على هذه الفئة المؤمنة؟! أنهم موحدون، أنهم دعوا إلى الله عز وجل على علم وبصيرة أنهم يمكنون أضرب لك مثلاً: أنت في بيتك رب البيت، والمسئول عن رعيتك، فهل تسمح لأحد أبنائك أو لزوجك أن يقارف المنكر وأنت تنظر إليه؟! وإن سمحت فهل أنت معذور بين يدي الله؟!
صلى الله عليه وسلم لا وألف لا، بل أنت مؤاخذ بهذا الإثم.
وما حدث في أفغانستان هو تماماً صورة مكبرة لما يمكن أن يحدث في بيتك، وعلى مرأى ومسمع منك؛ ولذلك يجب عليهم الإنكار، فأتى المرجفون في المدائن بشبهات، لكنها أوهى من بيت العنكبوت، قالوا: هل هؤلاء أحرص على دين الله عز وجل وعلى توحيده من عمرو بن العاص ومن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بمصر، لماذا تركوا الأهرام حينئذ؟ ولماذا تركوا أبا الهول حينئذ؟ والجواب على الشبهة من وجوه: الوجه الأول: أن هذه الأصنام معبودة من دون الله عز وجل.
الثاني: أن أبا الهول وغيره من هذه الأحجار التي لا تنفع ولا تضر كانت مدفونة تحت الرمال لا يسمع بها أحد.
الثالث: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما فتح مصر نزل في الفسطاط، وهي المعروفة الآن: بمصر القديمة، وهذه البقعة الصغيرة التي مثلت منازل القاهرة لم يثبت أن في شارع من شوارعها، أو حارة من حاراتها صنماً يعبد؛ فاكتفى بذلك عمرو بن العاص على بعد هذه الأصنام إن كانت أصناماً في ذلك الوقت.
فصنم بوذا حطم على أيدي الموحدين في أفغانستان إنما كان ذلك بجهود جبارة من قنابل وطائرات لم تكن في مقدور عمرو بن العاص، وبعض كتب التاريخ أثبتت أن الفاتحين تعرضوا لأبي الهول بالتكسير أكثر من ثلاثة أشهر حتى كسروا قطعة صغيرة من أنفه، والمرجفون يقولون: بل هذا الكسر إنما تم على يد الحملة الفرنسية، والحملة الفرنسية إنما تمثل دورها في خراب ديار مصر.
والمعلوم يقيناً: أن نصارى فرنسا على وجه الخصوص إنما يقدسون الأهرامات لا أبا الهول، فكيف يصح في الأذهان أنهم وصلوا إلى هناك؟ إن هذا لأمر عجاب!