الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
سنتكلم عن مسألة مهمة، ولعلها تكون جديدة في الطرح، ألا وهي منزلة المال في الإسلام.
المال في ذاته لا يحب ولا يذم، فالمال في حد ذاته ليس محبوباً ولا مذموماً، وإنما يحب ويذم لصفة تتعلق بالآدمي الذي يحرص على تحصيله.
ولو نظرنا إلى الناس تجاه تحصيل المال لوجدنا أن الباعث لهم على ذلك أشياء وأسباب كثيرة، ونجد أن الناس يتعاملون مع المال سلباً وإيجاباً، فمن الناس من يحصل على المال من غير حله ويضعه كذلك في غير حله، فيحصل عليه من الحرام ويضعه في الحرام، ومن الناس من يحصل عليه من الحلال ويضعه في الحرام، يكتسبه من عمل حلال ثم يشرب به الخمر مثلاً، ولا شك أن هذا مذموم من وجه وممدوح من وجه آخر.
ومن الناس من يكسب المال من الحرام ويضعه في الحلال، ولكنه لا يقبل منه، كالذي يسرق مثلاً ليتصدق، أو كالتي تغني لتقضي ديونها، فلا شك أن هذا المكسب حرام، وإن كان الباعث عليه باعثاً جميلاً، وخير باعث على تحصيل المال أن يسد به المرء حاجته الدينية والدنيوية من حل أحله الله له.
فالمال لا يذم ولا يمدح لذاته، وإنما يذم ويمدح لمتعلق الآدمي الذي انبعث من أجله في طلب وتحصيل هذا المال، وقد يكون هذا الباعث شدة فقر الآدمي أو تناوله من غير حله، أو لإخراجه في غير وجهه، أو ليفاخر الناس أنه صاحب مال، ولهذا قال الله تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28].
وإذا كان الباعث على تحصيل المال باعثاً غير شرعي فلا شك أن هذا المال سيكون فتنة لصاحبه.
في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).
فلو أنك أرسلت ذئاباً جائعة في حظيرة غنم، فإن هذه الذئاب ستفسد تلك الأغنام كلها، وحرص المرء على تحصيل المال وإثبات الشرف والجاه لنفسه من جهة الشرع، والبيان للناس أنه من أهل العلم لا شك بأنه أفسد للمال وللدين من إفساد الذئاب حظيرة الغنم.