الحمد لله وكفى، وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد: ففي حديث قصة موسى مع الخضر فوائد كثيرة ومتعددة، وقد أخرجه البخاري في صحيحه في أكثر من عشرة مواطن، ويأتي في كل موطن بفائدة ليست في غيره، فهو حديث غزير بالفوائد والفرائد، ولكنا دندنا حول ما نريد أن نبلغه لإخواننا طلبة العلم، ونذكر بهذه المناسبة أننا اخترنا أن يكون هذا الحديث هو عنواننا، خاصة وأننا سنبدأ في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى ذاك المؤتمر الذي يعقد سنوياً في هذا المكان المبارك، وموضوع هذا المؤتمر: القدس الحبيب السليب، الذي اغتصبه اليهود أبناء القردة والخنازير منذ عشرات الأعوام، وهم يطمحون ويطمعون أن تكون لهم دولة مستقرة آمنة في هذه البقعة من أرض الله، لكن هيهات هيهات، الحرب دائرة، والجهاد ماض في الأمة إلى قيام الساعة رغم أنف الحاقدين، واغترار المغترين.
والطريق الوحيد لإفناء اليهود وزوالهم من على وجه الأرض ليس السلام، وإنما هو رفع راية الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولذلك ستكون الحرب بين معسكرين لا ثالث لهما: معسكر الإيمان والكفر، وستكون ساحة المعركة في أرض فلسطين حتى ينادي الحجر والشجر: يا مسلم، خلفي يهودي تعال فاقتله، وسيكون الجنود من المؤمنين ومن الحجارة والأشجار، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود.
وأخبركم أن أرض الشام كلها قد كثر فيها شجر الغرقد، فهذه أمارات وعلامات؛ استعداداً للمعركة الحاسمة الفاصلة بين الإيمان والكفر، بين اليهود وبين المسلمين، والله تعالى سيكتب فيها النصر لأهل الإيمان، وسيورثهم الأرض من بعد ذل وهوان، لكنهم ما وقعوا في هذا الهوان إلا بتفريط منهم في اتباع كتاب الله تعالى وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا أفاقت هذه الأمة من كبوتها ورقدتها مكن الله تعالى لها، وهذه سنن كونية، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوذي، والخلفاء أوذوا، وكان في قدرة الله عز وجل أن ينصر نبيه وهو نائم في بيته، لكن السنن الكونية أثبتت أنه لا نتيجة بغير سبب، ولذلك يقول العلماء: الاعتماد على الأسباب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد؛ لأنه مخالف للسنن الكونية الربانية.
إذاً: فلابد من إعلان راية الحرب، ولا طريق إلى القدس إلا بهذا، ومن أراد صلحاً وسلاماً وأماناً مع اليهود، فإنما يمشي خلف سراب خادع، إذا أتاه لم يجده شيئاً، ووجد الله عنده فوفاه حسابه.
وأبشركم أن الدائرة والغلبة لأهل الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين سيدخل كل بيت حجر أو مدر، بعز عزيز يعز الله تعالى به الإسلام وأهله، وبذل ذليل يذل الله تعالى به الكفر وأهله).
والحمد لله تعالى أن الإسلام الآن دخل في كل بيت حجر ومدر، ومن من الناس لا يسمع بالإسلام، ولا بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام؟ لا أحد، ولكن النصر والتمكين والتأييد بشروطه وواجباته، إنما مآله إلى أهل الإيمان والإسلام في آخر الزمان، ولعلنا اقتربنا من هذه اللحظة، ومن ساحة الصدق، فما علينا إلا أن نعد العدة للمواجهة، والمواجهة هي مسئولية الحكام، لا مسئولية الشعوب؛ لأن مسئولية رفع راية الجهاد هي مسئولية الحكام، وهي في أعناقهم سيسألون عنها يوم الحساب، أما السلام مع اليهود فلا؛ لأن اليهود على مر التاريخ هم أهل غدر وخيانة، وغش وخداع، ولا سلام معهم، ولو كان منهم سلام لسالمهم النبي عليه الصلاة والسلام.
وكم سالمهم عليه الصلاة والسلام وهو يعلم أنهم أهل غدر وخيانة، وأهل بهت وزور، وغش وخداع.
ولذلك لم يثبت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا في تاريخ الإسلام أن أحداً سالم اليهود وهو لا يحذر منهم بعد عقد معاهدة السلم والسلام؛ لأنه يعلم طبيعة اليهود.
فالشخصية اليهودية كلها ظلمات بعضها فوق بعض، وطريق أسود من الكحل، ولذلك لا عهد لهم ولا ميثاق، ومن واثقهم أو عاهدهم واطمأن إلى ذلك، فسرعان ما كان الغدر من قبل اليهود حليفه، وسرعان ما يتجرع المرّ نتيجة علاقته باليهود.
المقفو باليهود عريان، تظهر عورته للقاصي والداني، ولأجل ذلك وعقداً للولاء والبراء اخترنا أن يكون المؤتمر السنوي الذي سيعقد في الأسبوع القادم في الجمعة القادمة بإذن الله عن القدس، وسيكون عن قضية الولاء والبراء؛ لأن معظم الأمة ذابت شخصياتهم في شخصيات اليهود والنصارى، والنصارى لا يقلون عن اليهود في الشر.
واخترنا أن تعالج المحاضرات كلها بعض جوانب الموضوع، وطلبنا من السادة المحاضرين أن يعالجوا بقية هذا الموضوع، ولو على مدار عام كامل في محاضراتهم العامة، وفي خطبهم المنبرية، في هذا المكان وفي غير هذا المكان، حتى يتم الموضوع، وهو أكبر من أن يستوعب في أسبوع واحد، ولأن الجمعة التي بعد المقبلة ندوة عامة للسادة المحاضرين المتخصصين في هذه القضية للرد على أسئلة الجماهير، حتى يعلم المستمع ماذا عليه من الواجبات؟ وبماذا يخرج من هذا المؤتمر من فوائد ونكات؟ لابد أن يخرج الواحد منا وهو يعلم ما الذي عليه؟ وما هو الواجب الذي يثقل به كاهله؟ وكيف يسلك الطريق لت