التأدب في طلب العلم والحرص عليه

من فوائد الأحاديث التي ذكرناها في هذه الخطبة: التأدب في طلب العلم، والحرص على طلب العلم، والرحلة في طلب العلم، وركوب البحر في طلب العلم، وأنه لا حرج في ذلك، وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تركب البحر إلا غازياً، أو حاجاً) فهو حديث ضعيف.

ولا بأس بركوب البحر مطلقاً بشرط أن يكون البحر هادئاً، وأن يغلب على الظن سلامة المركب، أو يتيقن ذلك، حتى لا يتحقق فينا قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].

وهذا جار في ركوب البر والبحر والجو على حد سواء.

وقول موسى عليه السلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66]، فيه من الملاطفة والموادعة والمؤانسة والتأدب الشديد في عرض المسألة على العالم، قال: (هل أتبعك) فجعل نفسه تابعاً للخضر، ومع أن موسى عليه السلام بالإجماع أفضل من الخضر.

وفيه: جواز أخذ الفاضل الفائدة من المفضول، ولا حرج في ذلك.

وكم من العلماء الكبار الأفهام تعلم من تلاميذه، ولذلك بوب العلماء في باب المصطلح والرواية: باب رواية الأكابر عن الأصاغر، وباب رواية الآباء عن الأبناء، ولا حرج في ذلك.

وينبغي أن يلزم العالم وطالب العلم الأدب والتواضع والذل والانكسار بين يدي المعلم والأستاذ، فهذه عدة لابد أن يتسلح بها طالب العلم، {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66].

والإجماع منعقد على أن موسى عليه السلام رسول ونبي، لكن وقع النزاع هل الخضر رسول ونبي أم لا؟ والذي يترجح من أقوال أهل العلم أن الخضر نبي من أنبياء الله؛ بدلالات كثيرة ذكرنا بعضها، ولا مجال لذكر البعض الآخر، ولكن نحيل على هذه الدراسات المتخصصة التي ظهرت في الآونة الأخيرة في بيان حقيقة الخضر عليه السلام.

فبعضهم ذهب إلى أنه ولي، وهو ضعيف.

والبعض الآخر: ذهب إلى أنه نبي، وهو قوي.

أما كونه رسولاً، فلا، وإذا كان رسولاً فإنه لم يبعث إلى موسى عليه السلام، كما أن موسى بعث في بني إسرائيل، وبنو إسرائيل كانوا في ذلك الوقت من سكان مصر، وهذا يقوي الرأي الذي قلناه: إن أحداث القصة لم تكن في أنطاكية، ولا في الخليج العربي، ولا في بحر الروم، وإنما كانت على أرض مصر، وأن مجمع البحرين كان برأس البر، وأن القرية هي قرية دمياط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015