جاءت الآيات إلى خير الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان:23].
قال ابن عباس: (نزلنا) أي: القرآن نزل مفرقاً على رسول الله، وليس كالكتب السابقة كانت تنزل جملة واحدة.
قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان:24].
وإن تأملت في القرآن ستجد بعد الأمر بالصبر الأمر بالذكر والصلاة، كقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45].
قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان:25] فبعد الأمر بالصبر أمر بالذكر والصلاة؛ لأن مما يعين على الصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله المؤلمة هو الذكر، لذلك يقول الله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان:24] أي: لقضاء ربك، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:24] وفي سورة الأحزاب: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:48] فمن أراد أن يأخذك إلى الدنيا لا تطعه، لذلك جاء الأغنياء من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا محمد اجعل لنا مجلساً وللفقراء مجلساً، فإن رائحة الفقراء تؤذينا، فنحن علية القوم لا نريد أن نجلس مع الفقراء، فأمهلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب، فأنزل الله عليه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
{وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:24] لأنهم يريدون أن يصدوك عن الطريق، فالطريق بين واضح.
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان:25] أي: في أول النهار وفي آخره، فهذه أوقات يستعين بها المسلم على أداء وظيفته في طاعة ربه.
قال صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا) أي: اسع إلى الكمال في العمل، فإن لم تستطع الكمال فقارب، قال: (سددوا وقاربوا، واستعينوا بالروحة -يعني: أول النهار- وشيء من الدلجة) والدلجة: هي الظلام، يعني: استعينوا في هذه الأوقات بطاعة ربكم في أول النهار وآخره، وفي الليل اجعلوا لكم نصيباً من طاعة الله، فهذا يعينك على ذكر الله، ويعينك على أداء الرسالة، ولذلك يقول الله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7] أي: إذا فرغت من أعمالك، وكلما كان القلب غير مشغول استطعت أن تقبل على العبادة في حب وفي صفاء؛ لذلك أمرنا ألا نصلي ونحن ندافع الأخبثين، وأمرنا ألا نصلي في حضرة الطعام؛ حتى نقبل على العبادة بذهن صاف، وهذا يكون في الليل، كما قال عز وجل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل:6] يعني: مواطئة للنفوس، {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6].
فلابد أن تجعل لنفسك نصيباً في أول النهار من العبادة، وفي آخر النهار وفي الظلام، وهذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام.
قال عز وجل: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان:25 - 28].
يعني: أحكمنا خلقتهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، أحكمها إحكاماً ما بعده إحكام في الخلق والتسوية.
قال تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الإنسان:28] هذه الآية تدل على البعث، كما تدل على أن الله عز وجل يستخلف أقواماً بعد أقوام.
{بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الإنسان:28].
وللحديث بقية، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.