الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا الليلة مع خلق من الأخلاق الحسنة، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي، وحرم وجهي على النار)، فكما أن للإنسان صورة ظاهرة وهي الخَلْق، فإن له صورة باطنة ألا وهي الخُلُق، فلا تغني الصورة الظاهرة عن الصورة الباطنة؛ ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصورتين في الدعاء فقال: (اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي)، وقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق، فالأخلاق قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام لم تكتمل، وقد كان الكذب عند العرب قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام مذموماً، وكانوا لا يحبونه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ومن الأدلة على أن الكذب كان مذموماً عند العرب ما قاله أبو سفيان قبل أن يسلم في حواره مع هرقل: خشيت أن يؤثر القوم علي كذباً؛ أي: حتى لا يقولوا عني: إنه كذاب، وكان عندهم بعض الحياء أحياناً، لكن الشرك هو شر الأخلاق.
إن النبي عليه الصلاة والسلام حدد الهدف من بعثته بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والروح الخلقية الإيمانية تسري في الشريعة: في المعاملات، في العبادات، في العقائد، وفي كل جزئية من أجزاء الدين تسري الروح الخلقية فيه.
ففي مجال العقيدة: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، أي: أن الأمانة من الإيمان.
وفي روح العبادات: كل الفروض والشرائع التي فرضها الله علينا؛ لتزكية الخلق، فلا نفع في صلاة ولا ثمرة منها إن لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وكذلك الصيام والحج إلى غير ذلك.
لذلك يذهب الدكتور دراز في رسالة الدكتوراه التي أعدها في فرنسا وعنوانها: دستور الأخلاق في القرآن، إلى أن القرآن كتاب أخلاقي، فقصصه وأمثاله ومحكمه ومتشابهه وعقيدته وعباداته ومعاملاته تحتوي على الجانب الأخلاقي، ونحن اليوم مع خلق جديد، وقد تحدثنا قبل ذلك عن خلق الحياء، واليوم عن العفة.