قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68].
قيل: الذين استثناهم الله عز وجل هم الشهداء.
وقيل: الملائكة، وقيل: الحور العين، وقيل: الولدان المخلدون.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الزمر:68]، فهذه النفخة الأولى نفخ الصعق، يصعق ويموت من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخة البعث والنشور: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]، أي: لم يقوموا ينفضون التراب عن أنفسهم، ويفركون أعينهم بأيديهم، بل يقومون قومة حياة كاملة عباد الله.
(أبصر بهم وأسمع)، أي: ما أبصرهم وما أسمعهم عندما يقومون: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13 - 14].
و {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52].
يقول أبو هريرة فيما رواه صاحب الصحيح: (ما بين النفختين أربعون، قيل: يا أبا هريرة أربعون سنة؟ قال: أبيت)، أي: أبيت أن أُجيب، إما لأنه لم يعلم ذلك، أو أنه نسي ذلك: (قال: أبيت، قيل: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، قيل: أربعون يوماً؟ قال: أبيت، وكل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب -أي: هو عظمة في أسفل العمود الفقري- ومنه يركّب ابن آدم).
قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر:69] أي: جاء الرب جل وعلا للفصل بين العباد، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} [الزمر:69] أي: الكتاب الذي أُحصي فيه أعمال العباد وأقوال العباد {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر:69] قيل في الشهداء: هم الذين قُتلوا لإعزاز دين الله عز وجل، وقيل: هم الذين يشهدون على الخلائق بأعمالهم {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:69 - 70] أي: كل عبد أخذ حقه من مثاقيل الذر، كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8] فالله عز وجل لا يظلم الناس شيئاً، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.