إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
ثم أما بعد: عباد الله! من فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يتوخى العبد الإخلاص في كل قول وعمل؛ لقول الله عز وجل: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]، ولقوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه).
فكل عمل -عباد الله- كان مشوباً مغموراً بإرادة غير الله يجعله الله عز وجل يوم القيامة هباءً منثوراً، ويوم القيامة -عباد الله- يأتي أناس بحسنات أمثال الجبال، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، كما قال عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل عباد الله! ألا يعمل العبد عملاً إلا بنية، فالعبد ينبغي له أن يكون فقيهاً في تجارته، فيتاجر بمباحاته مع الله عز وجل؛ لأن النية الصالحة ترفع العمل المباح فتجعله من الطاعات، فالأكل والشرب والسعي على المعاش والمذاكرة للطلاب والنوم وغير ذلك من الأمور المباحة إذا نوى العبد فيها نية صالحة ترتفع إلى درجة الطاعات، كما قال معاذ رضي الله عنه: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
أي: كما يقوم الليل ويحتسب الأجر عند الله عز وجل فإنه ينام كذلك ويحتسب الأجر عند الله عز وجل؛ لأنه ينام بنية صالحة، من أجل أن يجم نفسه للعبادات والطاعات، ومن أجل أن يقوم في آخر الليل، أو يقوم لصلاة الفجر وأذكار الصباح، أو للواجبات الشرعية في اليوم التالي، فإذا نوى العبد النية الصالحة في العمل المباح صار من الطاعات والقربات، فيتاجر العبد به مع رب الأرض والسماوات.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن ينوي العبد في كل عمل نيات كثيرة صالحة؛ لأن ثواب العامل على عمله يكون بمقدار عدد النيات التي يجمعها في عمله؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وإنما لكل امرئ ما نوى) بعد قوله: (إنما الأعمال بالنيات)، فقوله: (إنما الأعمال بالنيات) أي: أصل قبول العمل وشرطه النية.
ثم قال: (وإنما لكل امرئ ما نوى)، وليس هذا تكراراً للقاعدة الأولى؛ لأن التأسيس أولى من التأكيد، فهو هنا يؤسس قاعدة جديدة، فالجزء الأول من الحديث يدل على أن أصل قبول العمل توفر النية الصالحة، ثم قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) أي: ثواب العامل على عمله بالنيات الصالحة التي يجمعها في العمل الواحد، فإن من أتى المسجد للصلاة وحدها ليس كمن أتى المسجد من أجل الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولقاء أخ يحبه في الله عز وجل وتفقد مصالح المسلمين وقضاء حاجاتهم، أو كمن أتى للصلاة ونظافة المسجد، أو غير ذلك من النيات الصالحات التي يمكن أن يجمعها العبد في هذا العمل الصالح، فثواب العامل على عمله يزيد بزيادة النيات الصالحات التي يجمعها في العمل الواحد.
ولذلك نقول: إن تجارة النيات تجارة العلماء، فالعلماء هم الذين يعرفون كيف يتاجرون، وكيف يربحون على الله عز وجل أعظم الأرباح.
قال الإمام الشافعي: كم من عمل صغير تعظمه النية، وكم من عمل كبير تصغره النية، فالعمل قد يكون صغيراً في ذاته، ولكن العامل يجمع فيه نيات كثيرة فيعظم العمل بذلك، ويزداد ثواب العامل على ذلك.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يتأكد العبد أن أحواله وأعماله مطابقة لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود على عامله وغير مقبول، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
فكل عمل لا ينظوي تحت الشريعة، ولا تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم حاكمة عليه بالصحة فهو مردود على عامله وغير مقبول.
فلا بد أن يتأكد العبد أن العمل مطابق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103 - 104].
قال الحسن البصري: فالسنة -والذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن