فإن قال قائل: لماذا لم يدافع عن نفسه؟ فأجاب العلماء بأجوبة: الجواب الأول: أنه قال له ذلك أولاً على سبيل التهديد، قال: (لأقتلنك) أي: على سبيل التهديد، ولم يكن شرع في القتل، فنصحه أخاه وقال: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:28 - 29].
فكان ذلك على سبيل التهديد، ولم يشرع في قتله حتى يدافع عن نفسه، ويعضد ذلك ما قاله بعض المفسرين بأنه قتله عندما كان نائماً، أي: لم يستطع أن يدفع عن نفسه، فقتله وهو نائم.
الجواب الثاني: أنه قال له: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28]، فقال: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28]، وليس معنى ذلك أنه لا يبسط يده دفاعاً عن نفسه، أي: أنه قد يبسط يده دفاعاً عن نفسه، ولكن لا تطاوعه نفسه لأن يبسط يده ليقتل أخاه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)؛ أي: في نيته لو تمكن منه لقتله.
فهو قال: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28]، ويجوز له أن يبسط يده ليدافع عن نفسه.
الجواب الثالث: أنه يجوز للمؤمن إذا قُصد بالقتل أن يستسلم للقتل، وألا يدافع عن نفسه، كما قال سعد بن أبي وقاص للنبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إذا دخل علي بيتي وبسط إلي يده ليقتلني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل).
وفي رواية: (كن كخير ابني آدم) أي: المقتول وليس القاتل.
وكما استسلم عثمان رضي الله عنه لما ألبوا عليه ولما قصده أصحاب الفتنة وأرادوا دمه، وكان طلحة بن عبيد الله وعلي بن أبي طالب وجماعات من المؤمنين أرسلوا أولادهم للدفاع عن الخليفة، فعزم عليهم ألا يدافعوا عنه من أجل أن يحقن دماء المسلمين، فقتلوه ظلماً، ووقع دمه على المصحف، وكان يقرأ في المصحف، فنزل على قول الله عز وجل: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137]، فقالوا: يجوز للعبد إذا قصد بأن يقتل أن يستسلم ولا يدافع عن نفسه.
الجواب الرابع: لعل هذا كان في شريعتهم، أنه لا يجوز للرجل أن يدفع عن نفسه إذا قصد بالقتل، ولكل أمة شريعة ومنهاجاً كما قال الله عز وجل، فالتوحيد واحد، ولكن التكاليف الشرعية والعبادات تختلف من أمة إلى أمة، فهذه أربعة أجوبة، وفي شريعتنا ما يسمى بدفع الصائل، إذا قصد مسلم بأن يقتل أو ينتهك عرضه أو يسلب ماله فيشرع له أن يدافع عن نفسه، ويشرع له أن يدفع بالأخف، فإن كسر يده فاندفع بذلك لا يجاوز ذلك إلى قتله، فإن كان لا يندفع إلا بالقتل فيجوز له أن يقتله، وهذا ما يسمى بدفع الصائل، وهو المعتدي، هذا الصائل وليس له دية إذا قتل؛ لأنه هو المعتدي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد)، فهو إذا قتل وهو يدافع عن عرضه أو عن ماله أو عن نفسه فهو شهيد بنص حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه أجوبة عن أن هذا العبد المقتول لم يدافع عن نفسه.