الوجه السادس من ذلك: أن محب الدنيا يعذب بها في الدور الثلاث ولابد، كما قال الله عز وجل: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55].
فالله سبحانه يعذبهم في الدنيا بجمعها، والسعي وراءها وتحصيلها من الوجوه المباحة وغير المباحة، قال تعالى: ((فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)) أي: يعذبهم في الدنيا بجمعها والحرص عليها، ومنع حق الله عز وجل فيها، ويعذبهم عند الموت كذلك بمفارقة الأموال التي جمعوها، والدنيا التي أحبوها، ((وَهُمْ كَافِرُونَ)) بمنع حق الله عز وجل فيها.
وإن من أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل بذل عمره كله في جمع المال، فجمع الأموال من الوجوه المباحة وغير المباحة، ولم يخرج الزكاة الواجبة، ولم ينفق في أوجه الخير، ثم ورث هذا المال أناس صالحون فتصدقوا من هذا المال، وتقربوا به إلى الله عز وجل فكان لهم حلاوته، وعليه مرارته، فهو بذل عمره يجمع لهم، ولكنه بخل على نفسه، ولم يقدم لحياته، ثم ورث المال من أنفقه في وجوه الخير، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟)، لأن ما قدمه العبد هو ماله، وما تركه لورثته فهو مال وارثه، فالعبد الذي يحب الدنيا يجمعها ويحرص عليها، ولا يتقرب بها إلى الله عز وجل.