إن رد فرعون رد ساذج إذ يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر:29] أي: ما أقول لكم إلا ما عندي، ليس عندي حجة ولا دليل ولا برهان ولا مقاومة الحجة بالحجة.
{وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29] فهو يدعي مجرد ادعاء أنه على سبيل الحق والرشاد، وأنه يعتقد أنه ينصحهم به.
يقول: وكذب في كل من هذين القولين وهاتين المقدمتين، فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة، وإنما كان يظهر خلافه بغياً وعدواناً وعتواً وكفراناً، كما قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء:102].
فموسى يخبرهم أن فرعون يعلم تماماً أن الذي جاء به هو من عند الله.
وقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14] أي: يعتقدون صدق موسى، ولكن لبغيهم وظلمهم لا ينقادون له، ولا يؤمنون بدعوته ولا يسلمون له.
فهذه المقدمة الأولى لما قال: ((مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)) وكذب في ذلك، وقال: ((وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) وكذب في ذلك أيضاً، فإنه لم يكن على رشاد من الأمر، بل كان على سفه وضلال وخبل وخيال، فكان أولاً ممن يعبد الأصنام والأمثال، ثم دعا الجهلة الضلال إلى أن اتبعوه وطاوعوه وصدقوه فيما زعم من الكفر والمحال في دعواه أنه رب العالمين، تعالى الله ذو الجلال.