وقالوا في فوائد غض البصر: إن غض البصر استجابة لأمر الله عز وجل وتنفيذ لأمر الله عز وجل، وما استجلب العبد خيراً في الدنيا والآخرة بمثل امتثال أمر الله عز وجل.
قالوا كذلك: إطلاق البصر يضعف القلب ويحزنه، وغض البصر لله عز وجل يقوي القلب ويفرحه.
قالوا كذلك: إطلاق البصر يشتت القلب ويجلب له الحزن، وهذا مشاهد معروف؛ لأن القلب يكون مشغولاً بما يرد عليه من صور محرمة، فلا يتفرغ لطاعة الله عز وجل محبته وعبادته، إذ يصير القلب كالمزبلة فكيف يصلح لمحبة الله عز وجل؟ قالوا كذلك: إطلاق البصر يقسي القلب ويسد عليه أبواب العلم، فيصعب على العبد مع إطلاق البصر أن يحفظ من القرآن أو من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قالوا كذلك: إطلاق البصر ظلمة على القلب، وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب الشر والبلاء من كل جانب، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى، فإذا أظلم القلب صار موئلاً لكل شر ولكل ما يغضب الله عز وجل، وإذا غض العبد بصره لله عز وجل استنار قلبه؛ ولذلك ذكر الله عز وجل آيتي غض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:30 - 31]، ثم ذكر بعد آيتي غض البصر عدة آيات: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35].
قالوا: سبب نوره في قلب عبده المؤمن امتثال أوامره واجتناب ما نهى الله عز وجل عنه، الناظر عباد الله! يرمي بسهام غرضها قلبه، فإذا نظر نظرة محرمة فكأنما رمى قلب نفسه بسهمه.
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب وباعث الطرف ترتاد الشفاء له توقه إنه يأتيك بالعطب وكل نظرة هي جرح لقلب العبد، والنظرة تستدعي غيرها.
ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليح وتظن ذاك دواء جرحك وهو في الـ تحقيق تجريح على تجريح فقتلت قلبك باللحاظ وبالبكا فالقلب منك ذبيح أي ذبيح النظرة عباد الله! سم للقلب وشرارة في العشب اليابس، إما أن تحرقه كله أو تحرق بعضه.
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الناس موقوف على خطر يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور عاد بالضرر فالنظر المحرم عباد الله! يورث الحسرات والزفرات، فيرى العبد ما لا يقدر عليه ولا يصبر عليه.
وكنت متى أطلقت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر النظرة عباد الله! توقع في أسر الهوى والشهوة، والعبد إذا وقع أسيراً للهوى والشهوة صار كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب.
غض البصر يورث العبد فراسة ويطلق نور بصيرته، كما قال شاه بن شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة واكتفى بالحلال واجتنب الحرمات وغض بصره لا تخطئ له صلاته، وكان شاه هذا لا تخطئ له صلاته.
إطلاق البصر كذلك يجعل العبد يقع في اتباع الهوى، وفي الغفلة والإعراض عن شرع الله عز وجل، قال تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
والنظرة يا عباد الله! كأس من الخمر من شرب منه وقع في سكر الهوى، وقد يصاب الناظر بداء بلا عوض وهو داء العشق، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الشاعر: وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حال مخافة فرقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق فتسخن عينه عند التنائي وتسخن عينه عند التلاقي فنسأل الله عز وجل أن يستر عورات المؤمنين، ونسأله تعالى أن يرزقنا غض البصر له عز وجل، ونسأله تعالى أن يبارك في أوقاتنا وأعمارنا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسل