نتكلم عن إعجاز القرآن من أربعة وجوه: الوجه الأول: جزالته الفائقة وفصاحته الموفقة، فكل من يسمع آيات القرآن إذا كان عنده من الفهم بلغة العرب، فإنها تبهره هذه الآيات الكريمة، كما قال الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] لما سمع أبو جهل هذه الآية الكريمة -وكان أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم- قال: إن رب محمد لفصيح.
فظهرت فصاحة القرآن وأذعن لها الكفار.
وأعجب الأصمعي ببلاغة امرأة، حين قالت له المرأة: وأي بلاغة بعد قول الله عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] قالت: في هذه الآية الكريمة أمران ونهيان وخبران وبشارتان، في آية واحدة من كتاب الله عز وجل.
فانظروا إلى إعجازه وإلى إيجازه، فكيف يستطيع أحد من البشر أن يأتي ولو بآية من آيات القرآن؟ وقال عز وجل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:95] سمع أعرابي هذه الآية فسجد، فسئل عن سبب سجوده؟ قال: سجدت من فصاحتها.
وقال عز وجل: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44] كم في هذه الآية الكريمة من الطباق ومن الجناس ومن البديع ومن حلاوة اللفظ عباد الله؟! {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود:44] أي: نقص الماء.
{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44] أي: رست سفينة نوح على جبل الجودي، {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44].
كذلك قوله عز وجل: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف:80] يفهم هذه الكلمات ويفهم هذا الإعجاز من كان عنده فهم في لغة العرب، وعنده علم بالمحسنات وبدائع الكلمات، فهذا أول إعجاز في القرآن حلاوة نظمه، فصاحته الموفقة وبلاغته الرائدة عباد الله!