المعجزة العظمى التي أعطى الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إنما هي القرآن المبين، وقيل: إنما خص بهذه المعجزة مع أن له من المعجزات ما فاق به جميع الأنبياء؛ لأن معجزة القرآن هي المناسبة لناس عصره ومعاصري دهره صلى الله عليه وآله وسلم.
فلما كان زمن موسى عليه السلام زمن السحر أرسل الله عز وجل إليهم موسى ففلق بعصاه البحر، وألقى عصاه فإذا هي حية تسعى، وأتى بالمعجزات التي فاقت سحر كل ساحر وقهرت كل ساحر وأذلت كل كافر.
ولما كان زمن عيسى عليه السلام زمن الطب أرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وجاء بما حير كل طبيب وأذهل كل لبيب.
ولما كان زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم زمن الفصاحة وزمن البلاغة، أرسل الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن المبين، بما أذل به البلغاء وتحير فيه العلماء، ودهش فيه الشعراء، أرسله بالقرآن المبين يتحدى الناس بفصاحته وببلاغته، فألجم به كل الفصحاء، فكانت معجزة كل نبي تناسب ناس عصره ودهره؛ فلهذا كان القرآن هو المعجزة التي تخص نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم.
مما يدل على ذلك كذلك: أن أصحاب موسى وأصحاب عيسى كان عندهم غباء وتبلد، لم يكن لهم من الفصاحة والبلاغة وحدة الأذهان ما كان عند العرب، ويدل على ذلك قولهم لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24].
ولما مر بهم موسى من البحر وفلق الله عز وجل له البحر ونجوا وأهلك الله عز وجل عدوهم، ومر على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] فهذا يدل على غباوتهم وبلادتهم.
أما أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالله عز وجل جعل لهم القرآن الذي يجولون فيه بخواطرهم، والذي يتفكرون فيه بعقولهم، حتى أذعن الكفار بفصاحته وبلاغته.
الأمر الثالث -عباد الله- مما يدل على أن القرآن هو المعجزة الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أن هذه المعجزة هي المعجزة الدائمة الباقية، فإن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم من حنين الجذع، ونبع الماء بين أصابعه، وانقياد الشجر له، وتسليم الحجر عليه، كل هذه المعجزات ذهبت كما ذهبت معجزات جميع الأنبياء السابقين، وإنما شاهدها من عاصر هؤلاء الأنبياء الكرام.
وبقيت معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على مر الأعصار، بقيت هذه المعجزة يتحدى الله عز وجل بها الإنس والجن، يتحدى الله عز وجل بها الأولين والآخرين، فكانت هذه المعجزة هي المعجزة العظمى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي التي نوه بها عندما قال: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً يوم القيامة).
فمعجزة القرآن عباد الله هي أبلغ المعجزات، وهي أبقى المعجزات، وناسب ذلك أن تكون أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس بعد نبينا نبي، فتبقى هذه المعجزة شامخة على مر الأيام؛ لأنه لا يأتي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسول ينسخ نبوته، وشريعة تنسخ شريعته، فناسب ذلك أن تكون معجزته باقية مع بقاء الأيام.