إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فالتقوى مثل كنز عزيز لئن ظفرت به فكم تجد فيه من خير عميم ورزق كريم، فكأن خيرات الدنيا والآخرة جمعت في خصلة واحدة، وهذه الخصلة هي تقوى الله عز وجل.
اختلف الناس في تعريف التقوى: فقال بعضهم: التقوى: هي العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل، والرضا بالقليل.
وقال بعضهم: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.
وقال بعضهم: التقوى: هي علم القلب بقرب الرب.
وأحسن من ذلك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإحسان في حديث جبريل قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أي: أن التقوى هي الإحسان وهي المراقبة، وهي أن تعبد الله عز وجل كأنك تنظر إليه.
وكان السلف يعبدون الله عز وجل على المشاهدة، كما روي أن عروة بن الزبير خطب من ابن عمر ابنته في الطواف، فلم يرد عليه ابن عمر، فلما انتهى من الطواف اعتذر إليه وقال: كنا في الطواف نتخيل الله بين أعيننا.
قال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فالذين عبدوا الله عز وجل بالإحسان وبدرجة التقوى لهم الحسنى، وهي الجنة، ولهم الزيادة، وهي النظر إلى وجه الله عز وجل.
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي: فإن لم تصل إلى درجة أنك تعبد الله عز وجل كأنك تراه فهناك درجة هي أدنى من هذه الدرجة توصل إليها، وهي أيضاً من الإحسان، وهي أن تعبد الله عز وجل وأنت تعتقد أنه يراك، فأنت كذلك تحسن العبادة لله عز وجل.
لقد دلت الأدلة كلها على شرف التقوى، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، فلو أن هناك خصلة أجمع للخير العاجل والآجل من تقوى الله عز وجل لأوصى الله عز وجل بها الأولين والآخرين، فالتقوى هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، والتقوى هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما نصح الأمة ووعظها موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون: (فقالوا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل)، فلما أحس الصحابة بخطر الموعظة وحلاوتها قالوا: (كأنها موعظة مودع) يعني: المودع يبذل جهده ويستفرغ وسعه في النصيحة فقالوا: (كأنها موعظة مودع يا رسول الله! فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله).
وقال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
فالتقوى هي وصية السلف الصالح من هذه الأمة، كما روي أن عمر بن عبد العزيز أوصى رجلاً فقال: عليك بتقوى الله، فإنه لن يقبل غيرها، ولن يرحم إلا أهلها، وإن العاملين بها قليل، والناصحين بها كثير، فكل واعظ وكل خطيب وكل ناصح ينصح بتقوى الله عز وجل ولكن العاملين بتقوى الله عز وجل قليل.
وقال بعضهم: عليك بالتقوى، فإنها من أزين ما أظهرت، وأحسن ما أسررت.
والتقوى هي وصية الأنبياء الكرام لأقوامهم، كما قال عز وجل: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:123 - 124].
وقال عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:123 - 124].
وقال تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:177].
وقال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:105 - 106].
فكل الأنبياء الكرام أوصوا أقوامهم بتقوى الله عز وجل، ولا شك في أن الأنبياء هم أعلم الناس بما يصلح الناس، وهم أنصح الناس للناس، فأجمعوا على النصح بتقوى الله عز وجل.
والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26].
لما تمنن الله عز وجل على بني آدم بما جعل لهم من اللباس الذي يواري السوءات، ومن الرياش الذي يتجملون به، دلهم على أجمل لباس وأحسن لباس وهو الذي يستر عورات الظاهر والباطن، ويستر الع