((وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)): وصف حالهم في الإنفاق، وكيف أنهم وسط، فهم لا يبخلون على أهليهم، وكذلك لا يبسطون أيديهم كل البسط، فهم وسط في باب النفقة.
ثم بين بأن عباد الرحمن ليسوا معصومين من الذنوب، ولكنهم لشرفهم لا يقارفون الكبائر، كما أنهم كذلك لا يصرون على الصغائر، فقال: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ))، لا يتدنسون بالشرك بالله عز وجل؛ لأنه أعظم الذنوب، أن تجعل لله نداً وهو خلقك: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72].
((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ))، وقتل النفس التي حرم الله أكبر الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل لذلك ذكرها بعد قوله: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)) ويلي ذلك الزنا ((وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)) قيل: أودية في جهنم يعذب فيها الزناة.
((يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)) * ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)) أي: من تدنس بشيء من هذه الكبائر ثم تاب وأناب واستقام على طاعة الله عز وجل؛ فإنه بذلك يدخل في جملة عباد الرحمن، ولا تمنعه هذه الكبائر التي تاب منها وأناب واستقام على طريق الله عز وجل من أن يدخل في جملة عباد الرحمن: ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)).
((وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا))؛ أي: توبة حقة والتي يعقبها العمل لصالح.
ثم بين أن من صفات عباد الرحمن: أنهم لا يشهدون الزور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا: ليته سكت).
وقيل: الزور هو الباطل.
وقيل: أعياد المشركين.
وقيل: الغناء.
وقيل: اللغو.
((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)) * ((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا))، كما قال بعض السلف: كم ممن يسمع هذه الآية فيخر عليها أصم أعمى.
أما المؤمن فيتدبر ويزداد إيماناً، ويتفكر في كلام الله عز وجل.