ينبغي للعبد أن يعرف علامات مرض القلب وعلامات صحة القلب، والمجال لا يتسع لذكر علامات مرض القلب وعلامات صحة القلب، فنقتصر على ذكر علامات مرض القلب، ونؤجل علامات صحة القلب إلى الموعظة المقبلة إن شاء الله تعالى.
فمن علامات مرض القلب: أن العبد يتعذر عليه محبة الله عز وجل وإيثاره ومحبة الدار الآخرة، فيحيا في هذه الدنيا حياة البهائم كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد:12].
فهو لا يعرف ربه عز وجل، ولا يعبده بأمره ونهيه، لا يعرف الأنس بالله عز وجل، ولا يعرف محبة الله عز وجل، ولا يعمل للدار الآخرة، بل يعيش ليأكل ويأكل ليعيش، فهو كالبهائم التي ليس لها هدف وليس لها غاية، فهو لا يدري لماذا خلقه الله عز وجل؟ وما هي الوظيفة التي يجب عليه أن يقوم بها، فيتعذر عليه ما خلق له، فلا يحيا الحياة التي يحبها الله عز وجل ويرضاها له حياة العبودية، وكذلك ليس جماداً لا يحس؛ فالجزاء من جنس العمل، فهو أيضاً في الآخرة يدخل النار لا يموت فيها ولا يحيا، لا يحيا حياة يجد فيها راحة، ولا يموت فيفقد الإحساس بالألم: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:17] أي: وأمامه عذاب غليظ.
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77].
وحسب المنايا أن يصرن أمانيا أي: حسب العبد من الرزايا والبلايا أن يصير الموت أمنيته، كما قال بعض السلف: احذر الموت وأنت في هذه الدار قبل أن تصل إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تجده.
العلامة الثانية من علامات مرض القلب: أنه لا تؤلمه جراحات المعاصي، فالجسد الحي يتألم بالجراحة إذا جرح، أما الميت فلا يتألم، وما لجرح بميت إيلام، فهو لا يتألم بالمعاصي.
وهذا الألم الذي يحس به المؤمن عندما يقع في المعصية يدعوه إلى التوبة وإلى الرجوع وإلى الاستقامة على طريق الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] أي: تذكروا عظمة الله، وتذكروا توعد الله عز وجل.
{فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] للطريق والتوبة والإنابة والرجوع.
وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135] فهذا الألم لازم لحياة القلب.
هناك بعض الأمراض تفقد الجلد الإحساس، وفقده أخطر شيء على هذا المريض؛ لأن أعضاءه تهلك في مدة يسيرة؛ لأن الإحساس لازم لسلامة الأعضاء، فالإنسان إذا أحس بحرارة النار يسحب يده، إذا أحس بحد السكين يرفع يده سريعاً، ولكن إذا فقدت اليد الإحساس مثلاً فإنها تهلك في مدة يسيرة، كذلك القلب إذا فقد الإحساس فإن العبد يقع في الكبائر والفواحش والمعاصي ويهلك في مدة يسيرة؛ لأنه لا يحس بالمعاصي والكبائر التي يقع فيها.
العلامة الثلاثة من علامات مرض القلب: لا يوجعه جهله بالحق، والجهل مصيبة من أكبر المصائب، كما قيل للإمام سهل: أي شيء أقبح من الجهل؟ قال: الجهل بالجهل.
وصدق؛ لأن هذا يسد باب العلم بالكلية، فإنسان يكون جاهلاً ويجهل أنه جاهل فمثل هذا لا يقبل التعلم ولا يطلب العلم فيظل في ظلمات الجهل.
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور فالحاصل: أن من علامات مرض القلب أنه لا يتألم بجهله ولا يتألم بما يرد على قلبه من عقائد باطلة ومن فكر خاطئ.
العلامة الرابعة من علامات مرض القلب: عدول صاحب هذا القلب عن الأغذية النافعة إلى السموم الضارة، فبدلاً من أن يسمع القرآن الذي وصفه الله عز وجل بقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] يستمع إلى الغناء والموسيقى والتمثيليات الهابطة والأفلام الساقطة التي تقتل الغيرة عند الرجال وتضيع حياء النساء، وفيها من الاستهزاء بشرع الله عز وجل وبعباد الله، وتنبت النفاق، وتجعل الإنسان مستهتراً بالآخرة لا يصلح للخوف ولا يصلح للرجاء ولا يصلح للتوكل، ولا يصلح أصلاً لمحبة الله عز وجل وعبادة الله عز وجل.
والإنسان مهما سلم قلبه أحب ما يحبه الله، وأبغض ما يبغضه الله عز وجل، كما قال بعض السلف: أحبه إليه أحبه إلي.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم -وإن كان السند فيه ضعف-: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) ولكن المعنى صحيح، ويشهد له قوله عز وجل: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَ