الشرط الثاني: وهو متابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، دل على هذا الشرط قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فكل عمل لا يندرج تحت الشريعة ولا تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم حاكمة عليه بالصحة فهو مردود على فاعله وغير مقبول مهما كانت نية صاحبه؟ فمن عمل عملاً لا يندرج تحت الشريعة ولم تكن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم حاكمة عليه بالصحة فهو رد، بمعنى مردود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وقال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
فخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم.
وقال الإمام مالك: الاعتصام بالسنة نجاة؛ لأن السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.
قال الحسن البصري: ادعى ناس محبة الله عز وجل فابتلاهم الله عز وجل بهذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
وقال بعضهم: قال بعض الصحابة: نحن نحب ربنا حباً شديداً، فأحب الله عز وجل أن يجعل لحبه علامة، فأنزل قوله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
قال ابن شوذب: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يوفقه الله إلى صاحب سنة يحمله عليها.
فمن فضل الله عز وجل على الشاب إذا سلك طريق العبادة أن يوفق إلى صاحب سنة يحمله على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العبد في طريق تعبده يكون فارغ القلب ليس عنده علم يكشف له حقائق الأمور، ويميز به بين الحق والباطل، وبين البدعة والسنة، فإذا وفِّق لصاحب سنة حمله على السنة، وقد يوفق لغير ذلك، فيُحمل على غير ذلك، كما قال بعضهم: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا ودخل المعتمر بن سليمان على أبيه وهو منكسر فقال: ما لك؟ قال: مات أخ لي، قال: مات على السنة؟ قال: نعم، قال: وتحزن عليه؟! وقال سفيان الثوري رحمه الله: لا يُقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بمتابعة السنة.
وقال الحسن البصري: السنة -والذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا.
وقد بشّر النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء طائفة ظاهرة على الحق ترفع راية السنة وتقيم الحجة على سائر الخلق، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) فلا يأتي على أمة النبي صلى الله عليه وسلم زمان تُحرّف فيه الكتب ويضل الناس ويضيع الحق في الأمة كما أتى على اليهود والنصارى، بل لا بد أن تبقى طائفة مستمسكة بالسنة، ترفع رايتها وتُقيم الحجة على سائر أهل زمانها، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الكتاب والسنة، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.