ودرسنا مع نبي كريم ورسول من رسل الله عز وجل وهو هود عليه السلام، قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف:65 - 72].
هذه الآيات الكريمات -عباد الله! - تبين لنا كيف كانت دعوة هود عليه السلام، وكيف أنها دعوة جميع الأنبياء؟ فوظيفة كل الأنبياء تعبيد الناس لرب الأرض والسماء، فإن الناس يقعون في عبادة الأحجار والأشجار والشمس والقمر والبقر والطواغيت والهوى والشيطان، والرسل والدعاة بدعوة الرسل يحررون الناس من هذه العبادات الباطلة، ويجعلونهم عبيداً لله عز وجل، كما قال ربعي بن عامر: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عباد الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فقوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف:65]، قال بعض العلماء: إن الناس جميعاً إخوة في النسب؛ لأنهم جميعاً من آدم وحواء.
وقيل: لأن الله عز وجل نسبهم إلى أبيهم وإلى كبير هذه القبيلة وهو عاد.
ومثل ذلك قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف:73]، فلما نسبهم الله عز وجل إلى قبيلتهم وإلى جدهم الأعلى ناسب أن يقول: أخاهم، ولكن لما نسب قوماً إلى الصنم الذي يعبدونه قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:176 - 177]، ما قال أخوهم شعيب؛ لأن الله عز وجل نسبهم إلى الأيكة وهو الصنم الذي يعبدونه، والذي ينبغي -عباد الله! - أن نعلم أن هذه الأخوة إنسانية يعني: في النسب، فلا يترتب عليها حب ولا بغض، فإن لم يكونوا معه على الإيمان فلا يجوز أن يحبهم.
قال عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]، فالله عز وجل لا يرتب على هذه الأخوة حب ولا بغض ولا توارث، ولما قال نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:45 - 46]، فلا يرث الابن الكافر من أبيه المسلم، ولا الابن المسلم من أبيه الكافر، فإذا اختلفت العقيدة فلا يتوارث أهل ملتين شتى، فـ فرعون وأبو جهل وأبو لهب إخوة لنا في الإنسانية فلا نحبهم؛ فـ أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ينزل الله في حقه وهو يتحرك على الأرض {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5].
لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب وكان سلمان يقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فهذه الأخوة -عباد الله! - لا يترتب عليها حب ولا بغض ولا ولاء إذا لم يكونوا على نفس العقيدة والإيمان والدين.
قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا