خص الله عز وجل الشاكرين من بين عباده بهدايته، فقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53]، فهدى الله عز وجل الفقراء والموالي والعبيد، فقال الأغنياء: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف:11]، أي: لو كان هذا الدين خيراً لكنا نحن أحق به، كما قالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].
فمقياس العظمة عندهم المال والأولاد والجاه والمنصب فقالوا: لو كان هذا القرآن حقاً ولو كانت هذه الرسالة حقاً لنزلت على الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي، ولكنها نزلت على خير البشر وخير الأولين والآخرين وسيد الأنبياء والمرسلين.
فالله عز وجل جعل هداية الفقراء فتنةً للأغنياء، فقال الأغنياء: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام:53]، فقال الله عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53]، فالله عز وجل يعلم من يقدر النعمة، ومن يقوم بشكرها.
كذلك أخبر الله عز وجل عن أبي البشرية الثاني وهو نوح عليه السلام بأنه عبد شكور، وأثنى عليه بالشكر إشعاراً للعباد بأن يقتدوا بأبيهم نوح الذي هو أبو البشرية الثاني بعد آدم؛ لأن الله عز وجل جعل ذريته هم الباقين، فنحن جميعاً من ذرية نوح، كما أننا نحن جميعاً من ذرية آدم، فكل من كان معه في السفينة من المؤمنين لم يعقبوا ولم ينجبوا إلا أولاد نوح، فلم يكن لآدم عليه السلام ذرية إلا من ذرية نوح، فأثنى الله عز وجل عليه بالشكر، فقال عز وجل: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3]، كذلك أثنى على أبي الأنبياء وإمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام بالشكر، فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:120 - 121].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلا أكون عبداً شكوراً).