قال رحمه الله: أيها الناس! إنكم لم تخلقوا عبثاً ولم تتركوا سدى، وإن لكم معاداً يجمعكم الله عز وجل فيه.
عباد الله! غفل الناس عن وظيفة حياتهم، وعن السبب الذي خلقهم الله عز وجل له، كما غفلوا عن المعاد الذي سيجمعهم الله عز وجل فيه، مع أن الله عز وجل ذكر لنا قربه فقال عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، وقال عز وجل: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:6 - 7]، وقال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] فقرَّب لنا يوم القيامة حتى جعله كغد، وأخبر عز وجل أن طول هذا اليوم خمسين ألف سنة، فقال عز وجل: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:4 - 7].
وقال عز وجل: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37].
وقال سبحانه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].
وقال: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر:18].
ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله عز وجل لحقره يوم القيامة)؛ أي: لو أن العبد يجر على وجهه في طاعة الله، يؤذى في الله عز وجل ويعذب في الله عز وجل.
الواحد منا لو تعرض لشيء قليل من البلاء يظن أنه قد استوجب الجنة، وأنه سوف يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب، ويشعر أنه ما بينه وبين الجنة إلا نزول ملك الموت.
وهذا الظن -عباد الله- ظن فاسد: (لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله عز وجل لحقره يوم القيامة).