إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: عباد الله! كنا بالأمس القريب ندعو ونبتهل ونقول: اللهم بلغنا رمضان! ونحن عباد الله الآن نستعد لتوديع هذا الشهر الكريم، فهو كما قال الله عز وجل: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184]، مع أن الشهر عباد الله! تسعة وعشرون يوماً، أو ثلاثون يوماً، إلا أن الأزمنة الشريفة والأوقات الطيبة تمر سريعاً، فهذا الشهر هو شهر البركة وشهر الرحمة، ولا ندري هل نعمّر حتى ندرك موسماً آخر من مواسم المغفرة والرحمة.
أتترك من تحب وأنت جار وتطلبهم وقد بعد المزار تركت سؤالهم وهمو حضور وترجو أن تخبرك الديار فنفسك لم ولا تلم المطايا ومت كمداً فليس لك اعتذار يا شهر رمضان! ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى ساعة للوداع تطفي من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق.
عسى وعسى من قبل وقت التفرق إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي فيجبر مكسور ويقبل تائب ويعتق خطاء ويسعد من شقي عباد الله! كل زمان شريف فآخره أشرف من أوله، فالليل أشرف من النهار، وآخر الليل أشرف من أول الليل، فإذا كان ثلث الليل الآخر ينزل ربنا جل وعز إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله فيقول: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).