الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن كثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
يقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين).
هذه الكلمات التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفجر بالخير.
وقوله: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) يسأل الله عز وجل لذة النظر إلى وجهه الكريم، وهذا أعلى نعيم أهل الجنة، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:19 - 20].
وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله عز وجل.
ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران هذا تواتر عن رسول الله لم ينكره إلا فاسد الإيمان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا -وأشار إلى القمر ليلة البدر- لا تضامون في رؤيته)، وفي رواية: (لا تضارون في رؤيته)، أي: لا يزحم بعضكم بعضاً، كما أنكم لا تتزاحمون عند رؤية القمر، فمن بالإسكندرية ينظر إلى القمر، ومن بالقاهرة ينظر إلى القمر، ولا يحدث تضام ولا تضار عند رؤية القمر، فهذا تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي؛ فإن الله عز وجل أجمل من كل شيء، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74]، وأحاديث الرؤية هي أدلة على الفوقية؛ لأننا عندما ننظر إلى القمر ننظر إلى الأعلى، لا ننظر يميناً ولا شمالاً ولا أسفل منا، بل ننظر إلى أعلى، فنسأل الله عز وجل لذة النظر إلى وجهه الكريم، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، فالنظر -عباد الله- إلى وجه الله عز وجل أعلى نعيم أهل الجنة، تتنضر الوجوه بالنظر إلى الله عز وجل، فنسأل الله تعالى أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم.
وقوله: (والشوق إلى لقائك)، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت:5]، فمن صام في الدنيا عن شهواته أدركها غداً بعد وفاته، ومن تعجل ما حرم عليه من لذاته عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته، فتأهب واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك، واجعل الفطر عند الله يوم وفاتك.
وقوله: (في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) الضراء المضرة هي شدة الفقر أو طول السجن أو شدة المرض، فهذا قد يفتن العبد عن دينه، هذه الضراء المضرة.
(ولا فتنة مضلة)، الفتنة هنا المراد بها البدعة، أن يبتعد العبد عن طريق الله عز وجل، أو عن طاعة الله عز وجل بفتنة من فتن الشبهات.