إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فيقول تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:73 - 75].
عباد الله من المشهد الأخير: مشهد المتقين، ودائماً يأتي الثواب للمتقين، أو الذين آمنوا واتقوا، أو الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أو الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا، حتى يبقى المخلطون من أمثالنا، الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ولم يبلغوا بعد درجة التقوى، يبقون على خوف وحذر؛ لأنهم لا يعرفون أنهم وصلوا بعد إلى درجة التقوى، فحتى يكون المؤمن -عباد الله- يسير إلى الله عز وجل كالطائر بجناحي الخوف والرجاء، فمثل القلب كمثل الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، وإذا قُطع الرأس مات الطائر، وإذا كُسر الجناحان أو أحدهما صار عرضة لكل صائد.
إذاً: فالقلب -عباد الله- مثله كمثل الطائر كلما كان الطائر جيد الطيران وكلما كان صحيح البنية قوي الجناحين فإنه يحلّق في أجواء السماء العليا بعيداً عن الآفات، ولكنه إذا كان قريباً من الأرض يكون قريباً من الشهوات، قريباً من العطب والهلاك، يقول عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر:73].
قال المفسّرون: الأنبياء مع الأنبياء، والعلماء مع العلماء، والأولياء مع الأولياء، والشهداء مع الشهداء.
وقيل كذلك: كل جماعة كانت متعاونة على طاعة الله عز وجل فإنها ينادى عليها يوم القيامة، وتكون زمرة من الزمر التي تساق إلى رحمة الله وإلى جنة الله عز وجل.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الزمر المباركة التي تُساق إلى الجنة وإلى الرحمة، ولا يجعلنا من الزمر التي تساق إلى النار والعذاب، قال عز وجل عندما ذكر النار: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] فإنها تفتح فجأة، يفاجئون بما فيها من عذاب، ثم تسحبهم إليها سحباً.
ولكن الجنة دار النعيم تكون مغلّقة الأبواب، (يأتي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيطرق باب الجنة، فيقول خادم الجنة: من؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: بك أُمرت ألا أفتح لأحد قبلك)، فلا تُفتح الجنة لأحد قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمته ببركة رسالته هي أول الأمم يدخلون الجنة بعد رسولها صلى الله عليه وسلم، فنحن الآخرون السابقون، فهي آخر الأمم؛ لأن نبيها هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ولكنها خير الأمم والسابقة بالخير والفضل، وهي أول الأمم وفوداً الجنة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل من هذه الأمة فقراء المهاجرين، ويدخل السبعون ألفاً الذين بشّر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، يمسك بعضهم بيد بعض فيدخل أولهم وآخرهم، إشارة إلى اتساع أبواب الجنة.
وللجنة ثمانية أبواب كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كل باب لسهم من أسهم الإسلام: باب للصلاة، وباب للصيام، وباب للحج والعمرة، وباب للجهاد وغير ذلك.
وأبواب النار سبعة كما أخبر الله عز وجل في كتابه: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44].
فالجنة -عباد الله- تكون مغلقة الأبواب، فإذا اقترب منها أهلها وشفع الشافعون وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تفتح الجنة، ويدخل أهل الجنة الجنة، يستقبلون بالتحية والتكبير، وبالسلام من رب العالمين: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر:73] أي: طابت قلوبكم وطابت جوارحكم بالعبادات والطاعات، وبمحبة رب الأرض والسماوات، {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73] فالجنة -عباد الله- دار الطيبين، لا يدخلها إلا الطيبون، فمن طاب في الدنيا وطابت نفسه وطاب قلبه وطابت جوارحه من الشرك ومن معصية الله عز وجل دخل الجنة من أول وهلة، أما الذين لم يطب في الدنيا بل بقي فيه من الحقد والحسد والبغضاء للمسلمين، وعدم محبة شرع الله عز وجل محبة واهبة، فلا بد أن يطيب قبل أن يؤذن له بدخول الجنة.
فأبواب الجنة تكون مغل