يقول سبحانه في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] هذه الآية الفاذة الواحدة من سورة النحل آية عظيمة وجمعت الدين كله فيها.
هذه الآية سمعها عثمان بن مظعون من النبي صلوات الله وسلامه عليه فدخل الإيمان قلبه وانشرح، استمع لهذه الآية فعلم أنه صلى الله عليه وسلم صادق لا يكذب، فدخل في دينه، وذهب إلى أبي جهل يقرأ عليه هذا الذي نزل من عند رب العالمين سبحانه، لكنه طمس الله على قلبه فلم يؤمن، فذهب إلى الوليد بن المغيرة يتلو عليه هذه الآية، فإذا ب الوليد بن المغيرة يعجب، وكان من أكفر الناس، ولكنه كان من أعلم الناس بالعربية، فلما سمع القرآن الكريم قال: اقرأ يا ابن أخي! فقرأ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فقال وهو معجب بهذه الآية: والله! إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول بشر.
فأعجبت هذه الآية الواحدة هذا الرجل، ولكنه لم يسلم؛ غروراً واستكباراً وخوفاً من قومه.
وأكثم بن صيفي حكيم من حكماء العرب أراد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه قومه بنو تميم، وقالوا: أنت كبيرنا، فلا تذهب إليه، ولكن أرسل إليه غيرك، فأرسل رجلين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه، فقالا: جئناك من عند أكثم بن صيفي نسألك: من أنت؟ وما أنت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما من أنا؟ فأنا محمد بن عبد الله) صلوات الله وسلامه عليه، وأراد أن يرفع أكثر من ذلك، فأبى، فلم يقل أكثر من ذلك.
قال: (وأما ما أنا؟ فأنا عبد الله ورسوله) صلوات الله وسلامه عليه، ثم تلا عليهم هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فأخذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ورجعا إلى حكيم قومهم أكثم بن صيفي، واستمع لذلك فقال: والله إنه لكلام حكيم، وإنه كلام رب العالمين وليس بالكذب، أرى لكم أن تكونوا رءوسا في هذا الأمر ولا تكونوا ذيولاً فيه، وركب وأراد النبي صلى الله عليه وسلم فمات قبل أن يصلي إليه صلوات الله وسلامه عليه.
أما نحن المسلمين فقد أنعم الله عز وجل علينا بالإسلام، وأنعم علينا بأن سمعنا القرآن مراراً وتكراراً، وقرأناه وسمعناه وفيه هذه الآية، فلنتدبر في معناها، وما الذي أعجب هؤلاء من هذه الآية العظيمة ما سنبينه.