أما فرار الخاصة: فهم يفرون من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، مثلاً: عندما يخرج الجنيه في سبيل الله فهو قد وضع في ذهنه أن هذا الجنيه يقع في كف الرحمن، كما كانت عائشة تصنع، أي: كانت تعطر الدرهم وتعطيه للفقير، قالت: أعلم أنه لا يقع في كف الفقير، ولكن يقع في كف الرحمن.
والفقير يدعو لها: جزاك الله خيراً يا أم المؤمنين! وتقول: بل جزاك أنت؛ لأنك حملت زادنا إلى الآخرة، ويقال لها: يا أم المؤمنين! هذا هو الذي ينبغي أن يدعو؛ فهو الذي يأخذ، فتقول: دعوة بدعوة؛ ليضل لنا الثواب كاملاً عند الله يوم القيامة.
أي: هو يدعو لنا دعوة فنرد عليه بدعوة، فتكون الحسنة صافية، فيمكن أن تضيع مقابل دعوته، فهي خائفة على حسنتها! والحسن البصري رضي الله عنه يقول: أدعو الله عز وجل، فأرى يد الله تكتب لي الإجابة.
إذاً: فهذا فرار الخاصة: أن يرى يد ربنا تكتب له الإجابة.
ويقول سيدنا عمر: أنا لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء.
ونحن نحمل هم الإجابة لا هم الدعاء للأسف، أما سيدنا عمر فيحمل هم الدعاء، أي: لو كان الدعاء صادقاً صاعداً من لسان طاهر، ومن قلب نقي، وفي وقت من الأوقات التي يستجيب ربنا سبحانه وتعالى فيها الدعاء، مثل: قبل صلاة الفجر وبعدها، وما بين العصر والمغرب، وعند السجود، وعند إفطار الصائم، وعند زحف الصفوف على العدو، وبين الأذان والإقامة، وعند هطول المطر، وعند سفر المسافر، فكل الدعوات في هذه الأوقات مظنة الاستجابة من الله رب العالمين.
لذلك فأهل الجنة عندما يجمعهم ربنا -اللهم اجمعنا معهم يا رب- يتذاكرون أحوالهم في الدنيا، فيقول أحدهم: أنت متى غفر الله لك؟ ثم يقول: أتذكر يوم كذا؟ في ذلك اليوم غفر لنا فيه.