إن الرضا له أسباب، والعبد يرضى بإرادة الله لأنه مسلم، ولأنه سلم أمره لمولاه وخالقه، فيفعل الله به ما يريد، ولأن الله عز وجل محب للعبد فلن يختار له إلا الخير، والعبد ملك لمولاه، والمالك يتصرف فيما يملك.
فالرضا يكون عن الله وبالله وعما يريد الله سبحانه وتعالى، والعبد ليس له اختيار في أي أمر قضاه الله سبحانه، قال تعالى: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68]، وإنما لك التفويض والتسليم؛ لأنك مفوض، ويجب أن تفوض الأمر لصاحب الأمر، ولو فوضت الأمر لصاحب الأمر لقلت الأسباب عندك، فلو كان لديك ولد صغير عمره سنة ويريد أن يصعد فوق الطاولة، فيرفع يديه للصعود فإذا بأبيه يأخذه ويضعه فوق الطاولة، لكن لو كان عمره أربع سنوات ويريد أن يصعد فوق الطاولة فإن الأب يقول له: اصعد أنت بنفسك فأنا متعب، فإذا بالابن يضع الكرسي ويصعد فوقه ويمسك الطاولة، وبذلك يكون قد عمل مجهوداً.
لكنه لما كان صغيراً اعتمد على أبيه أو على أمه أو على من هو أكبر منه فقلت الأسباب، فما بالك بمن يعتمد على رب الأسباب؟! فقد تنصح أخاك للصلاة فيرفض، ويستمر على ترك الصلاة عشرين سنة، وفجأة مشى فلقي زحاماً، فأخذ يقول: ما لهؤلاء المجانين؟ فيقال له: إنهم يصلون، فقال: وهل المصلون يشكلون زحاماً! سأدخل وأقول كلاماً أؤدب به إمامهم، فدخل عليهم فوجد الكلام برداً وسلاماً في قلبه، فأصبح أول المؤمنين.
فالله عز وجل له في الكون يد تعمل، ولكن العبد يتعجل عمل يد الله، فإذا ظلمك ظالم فإنك تريد أن يعاقبه الله لتشفي غليلك، لكن لله عز وجل أمر آخر وإرادة أخرى.
فأنت تتمنى أن تنزل على الظالم كارثة، أو تأتي عليه مصيبة فتمحقه، لكن لله أمر آخر، فمن الممكن أن يهديه الله ويجعله من الناصرين لك، ومن الممكن أن يهديه الله على يديك، فلو سلمت أمرك لله لرضيت بقضائه، واعلم أن السخط دليل على عدم الرضا، والسخط يأتي بالهم والغم وضيق في الصدر، ويأتي بالاكتئاب؛ لأن الذي لا يرضى بقضاء الله يقول: انظروا أصحاب المناصب: هذا مدير مجلس إدارة، وهذا رئيس شركة، وهذا موظف في الوزارة، وهذا رئيس وزراء.
فاعلم أن المناصب لن تشفع لابن آدم؛ لأنه كشارب البحر لا يزيد بالشرب إلا عطشاً.