فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أبا طالب، لكن الله لا يريد أبا طالب، وكأن لسان القدر يقول: يا محمد! أنت تريد عمك ولكننا نريد سلمان.
وإن سئل أبو طالب: ابن من؟ قال: ابن عبد مناف، وإذا قيل له: ماذا تملك؟ قال: أملك الإبل والضياع والأرض والعبيد، وإن قيل له: ما مكانتك؟ قال: زعيم قريش، فإن قيل: طريقك مع من؟ قال: مع قومي.
واسأل هذه الأسئلة لسيدنا سلمان: ابن من؟ فسيقول: ابن الإسلام.
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فأنا لست من قيس ولا تميم، أنا ابن الإسلام، وما أحلاه من أب.
وكان هناك رجل شاعر تاريخي اسمه: مهيار الديلمي، قال قصيدة جميلة جداً، قال فيها: أعجبت بي بين نادي قومها أم سعد فمضت تسأل بي يعني: تسأل عنه.
قال: لا تخالي نسباً يخفضني أنا من يرضيك عند النسب قوميَ استولوا على الدهر فتىً ومشوا فوق رءوس الحقب وأبي كسرى على إيوانه أين في الناس أب مثل أبي قد قبست النبض من خير أب وقبست الدين من خير نبي وضممت الفخر من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب يعني: هو موفق أنه أخذ السلالة من فارس، وأخذ الدين من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلو سئل سلمان لقال: أنا ابن الإسلام، وإن قيل له: ما مالك؟ لقال: مالي عند الله كثير، فإن قيل: وإلى أين الطريق يا سلمان؟ قال: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42].
وإن قيل: بم تفخر يا أبا طالب؟ لقال: أنا من بني عبد المطلب، وإن قيل: وبم تفخر يا سلمان؟! لقال: (سلمان منا آل البيت).
إذاً: فـ سلمان الذي أتى من آخر أطراف الأرض انضم للأسرة الشريفة، أسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: (سلمان منا) وذلك عندما قال المهاجرون: سلمان منا، فقد جاء مهاجراً مثلنا، وقال الأنصار: بل سلمان منا، فهجرته جاءت من بلاد فارس إلينا، فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: (سلمان منا آل البيت)، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أعلى نسب.
إن من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أبو لهب، وهو العم الوحيد الذي كانت عداوته شديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت عداوة أبي جهل إلا من أجل العصبية القبلية، فقد كانت قبيلته تنازع بني عبد مناف في الرئاسة في قريش.
قال أبو جهل: تسابقنا نحن وبنو عبد مناف، فأطعموا وأطعمنا، وكسوا وكسونا، وقاتلوا وقاتلنا، حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي! ومن أين نصل إلى هذا السؤدد؟ والله لا نؤمن به أبداً! فـ أبو جهل كانت عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم عصبية، لكن أبا لهب كان عمه، وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم عليه.
فكان هناك سبعة يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم في الحرم، ومن ضمنهم: أبو لهب وأبو جهل وعقبة بن أبي معيط، وكان عقبة هذا -والعياذ بالله- يقلد النبي صلى الله عليه وسلم ويسخر بتقليده منه، وكان يقول: إن محمداً يتكلم هكذا، ويصنع بعينه هكذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا داهمه الهواء يغمض عينيه اتقاء التراب، فكان يقلده ويقول: هذه حركة عينه دائماً، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إليه وقال: (دائمة إن شاء الله)، فما زالت عينه تختلج إلى أن مات.