القسم الثالث: حياء الأدب، قال سيدنا علي رضي الله عنه: كنت رجلاً مذاء -يعني: يخرج منه بعد التبول سائل رقيق لزج يسمى المذي- قال: فاستحييت أن أسأل رسول الله؛ لمكانة فاطمة منه ومني.
وهذا من الأدب، فإن الرسول هو الذي رباه في حجره، وزوجه ابنته، قال: فسألت ابن عباس أن يسأل لي رسول الله، فاستحيا ابن عباس، فذهب إلى عبد الرحمن بن عوف فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابه رسول الله، فأخبر ابن عوف علياً بالجواب.
والرسول صلى الله عليه وسلم عاش مع عثمان رضي الله عنه سنة كاملة في بيته فقال: ما سمعت خشخشت مائه في الطست.
وهذا حياء وأدب مع رسول الله.
وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه لما شرف بيته باستقبال الحبيب صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا أيوب! اجعلني في الدور الأسفل وامكث أنت وزوجك في الدور الأعلى، فقال: يا رسول الله! أيعلو أبو أيوب وزوجه على رسول الله! فأول ليلة بات الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الثاني، فلما أتى الفجر قال له: يا أبا أيوب! أيسر لإخواننا أن أكون في الدور الأسفل، وفي يوم شديد البرد بينما كان أبو أيوب يمشي في الظلمة تعثرت رجله بالجرة التي فيها الماء فتسرب منها الماء، فقام أبو أيوب وزوجته بتجفيف الماء سريعاً؛ لكي لا يتساقط على رسول الله وهو نائم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر قال له: يا أبو أيوب! قال: نعم، قال: شكر الله صنيعك برسوله الليلة.
هذا هو الحياء، فالمسلم يكون عنده حياء العبادة، وحياء الأدب، قال أهل العلم: استحي من الله استحياءك من رجل عظيم في قومك، أي: من رجل له مكانته، أليس إذا دخل الوالد البيت يقوم له الابن احتراماً له ولا يقعد في مجلسه إلا إذا قعد الأب؟ والأخ الصغير يقبل يد الأخ الأكبر، فهذه الأخلاقيات والسلوكيات منبعثة من الإسلام والفطرة، فما هي المشكلة أننا نعلم أبناءنا أن يقبل كل واحد منهم يد والده وأمه قبل أن يذهبوا إلى المدرسة أو الجامعة؟ نريد أن نرجع هذه الأخلاقيات في البيوت؛ من أجل أن الرزق يعود مرة أخرى، والمحبة تعود مرة أخرى، نسأل الله عز وجل أن يربي لنا أبناءنا على الكتاب والسنة كما ربانا آباؤنا على الكتاب والسنة.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم اجعل أول يومنا هذا صلاحاً، وأوسطه نجاحاً، وآخره فلاحاً.
اللهم لا تدع لنا فيه ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مسجوناً مظلوماً إلا فككت سجنه.
واغفر لنا بالباقيات الصالحات يا رب العالمين! وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.