ثانياً: الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأدب معه يندرج تحت عنوان واحد: الانقياد له ولشرعه صلى الله عليه وسلم.
يعني: إذا قال الله أو قال رسوله، قلنا: سمعنا وأطعنا، سواء فهمت العلة أم لم أفهمها، فهمت المسألة أم لم أفهمها، ما دام أن هذا الكلام من حبيب الله فقد انتهى الأمر.
جاء عن ابن مسعود: أنه كان ذاهباً إلى المسجد النبوي فبينما هو في وسط الشارع سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لمن في المسجد: اجلسوا! فجلس ابن مسعود على قارعة الطريق، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم رأى ابن مسعود جالساً على الطريق فقال له: مالك تجلس هكذا، قال: سمعتك تقول: اجلسوا! فجلست مخافة أن أتقدم خطوة فأكون مخالفاً لأمرك يا رسول الله! وهذا غاية الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن إذا أتتنا امرأة قليلة أدب -وكثيرات ما هنّ- تقول لك: الحجاب هذا لم يرد، وتجد إنساناً أيام عبد الناصر كان من أكبر الماركسيين في مصر، فلما كبر قليلاً في السن -والسن عند بعض الناس الذين لا يتقون الله في ماضيهم يصير وبالاً عليهم إذا تقدم بهم- فالشاهد: أن هذا الماركسي طلع على الناس في إحدى المجلات يقول لهم: الحجاب ليس بفرض، كيف هذا يا رفيق؟! ورفيق: تطلق على الشيوعيين في الوقت الحالي، فبئس الرفيق هذا.
فهؤلاء الذين يدعون إلى حرية المرأة هم لا يدعون إلى حرية المرأة ولكن يدعون إلى حرية الوصول إلى المرأة، وأنا عندي قناعة بهذه المسألة، وأعرف أناساً كثيرين وأتمنى ألا عرفهم من هؤلاء، فأي حرية مرأة!! وما الذي يغضبك يا أخي في هذا الشيء؟! فإذا لم نأخذها بالفطرة أو بالدين، أو أنه لا توجد آية في النور أو في الأحزاب، أو لا يوجد شيء في أيام رسول الله أو في الإجماع، فهب أنها بالغيرة العربية، هل تحب أن تمشي زوجتك عارية أم مستترة؟! انظر إلى حيوانات الغابة هل هي محجبة أم عارية؟ هل في عمرك رأيت جاموسة منقبة أو مخمرة؟ لم نسمع في عمرنا -أعزكم الله-، بل تمشي عارية كما خلقت، هذه حياتها، لكن الإنسان الذي كرّمه الله يقول الله عنه: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:26]، وأبونا آدم عندما أكل من الشجرة وبدت له سوءته قال الله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] أي: يريد أن يغطي سوأته.
فالمرأة عورة وإن لم يكن النقاب فرضاً، لكن جزاها الله خيراً من غطت جسدها أمام الرجال، فما الذي يغضب الآخرين سوى أنه يريد أن ينظر إليها؟! وإذا سألته: هل هذه أختك؟ قال: لا.
ابنتك؟ قال: لا.
وقاسم أمين -رحم الله الجميع- لما أخرج كتاب: (المرأة الجديدة)، و (تحرير المرأة) ذهب إليه أحد أصحابه ممن لم يقتنع بالكلام الذي كتبه قاسم أمين عن خروج المرأة وجلوسها مع الرجال، فلما أتاه قال له: أنا لم آت لأجلس معك، ولكن لأجلس مع امرأتك قليلاً!! فقال: ما قلة الأدب هذه؟! فقال له: ألم تقل أنت هذا! ما المشكلة؟! فلو خرج قاسم أمين من قبره وسمع ما يقال اليوم لظن نفسه عمر بن الخطاب؛ لأن قاسم أمين كان يقول: لا داعي أن تغطي المرأة وجهها؛ لأن جدتي وجدتك من عهد قريب -أربعين أو خمسين سنة- كانت إذا خرجت من البيت غطت وجهها لكي لا يراها أحد؛ من باب الفطرة، ولو سألت جدتك: ما هذا؟ وهل النقاب فرض أم لا؟ لما عرفت الجواب؛ لأنهم لم يكونوا يعرفوا هل السلام على الرجال حرام أم لا؟ لكن إذا جاءت تسلم على الرجل أدخلت يدها في الكم أو الشال الذي معها وسلمت عليه، رغم أنها لم تكن تسلم على الرجال، لكن إذا اضطرت وضعت يدها بالفطرة من غير أن يعلمها أحد، ونحن أتينا لنكسر هذه الفطرة ونكسر الدين، ولو جلست امرأة غير محجبة بجانب امرأة يهودية أو نصرانية أو روسية فكيف ستعرف المسلمة؟! ويقولون: أنتم أيها الإسلاميون! تذهبون بعيداً جداً، امرأة عارية تذهب وتجيء في المسرح!! يقول تعالى: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الأنعام:36]، ويقول: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:22] انظر إلى شر الدواب!! فقد جعل الله الذي لا يفهم في الدين ولا يريد أن يفهم الدين أسوأ من البقرة والجاموسة والحمار، والبقرة والجاموسة والحمار هذه البهائم مجبولة ومفطورة ومسخرة لطاعة الله وتسبيحه وتقديسه طوعاً أو كرهاً.
لكن نحن -من أعطانا الله العقل- متمردون على الدين، فأين أدب هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! يقول تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، هذا هو الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.