أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد: من مراتب الهداية: حسن الظن بالله، فحسن الظن بالله يعطي المؤمن أملاً في رحمة الله عز وجل، وكلما اقترب العبد من ربه في العمل ازداد حسن ظنه بمولاه، فلولا أن السيدة أم سيدنا موسى كانت حسنة الظن بالله لما نفذت أمر الله عز وجل عندما أمرها أن تلقي رضيعها في الماء.
قال تعالى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه:39]، إذاً: فعمل أم موسى عمل يدل على حسن ظنها بالله تعالى، في حين أنه لو قيل لنا ذلك لبدأنا نشكك ونحسبها بالعقل، وليس كل شيء يعرض على العقل.
وليس معنى ذلك أن الدين الإسلامي دين لاهوت وناسوت، أو كلام ما وراء الطبيعة، ولكن هناك أمور يحسنها الشرع قد لا يحسنها العقل، وليس معنى هذا أن الوحي يتعارض مع العقل، ولكن العقل محدود والشرع من عند الحق، وليس بعد الحق إلا الضلال، وقد قال علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان المسح أسفل الخف أولى من أعلاه.