الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذه خواطر تخرج من القلب عن الهداية، وهي أشياء ملموسة أرجو أن تخرج من القلب لتدخل إلى القلب إن شاء الله.
أول سبب من أسباب عدم الهداية: كثرة التمني، فإن الناس متى ركبوا بحر الأماني غرقوا وأغرقوا، وقد قيل: الأماني رأس مال المفاليس، مثلاً: رجل جالس في بيته لا يعمل أي عمل ومع ذلك يتمنى أن يكون لديه مال كثير فهذا لن ينال من المال شيئاً لم يسع في تحصيله، وهذا كالذي يعمل المعاصي ويقول: إن الله غفور رحيم، ونسي أو تناسى أن الله ذو عقاب أليم.
تجد شاباً صغيراً فتأمره بالصلاة فيعتذر لك بعذر الصغر، وأن أباه لم يصل إلا في سن متقدمة، ويمني نفسه بأنه إذا كبر صلى كأبيه، وهذه عين الأماني الكاذبة، أو يزعم أنه سيصلي إذا تزوج، فهو يسوف ويتمنى رغم أن عمره بيد الله تعالى إن شاء أماته وإن شاء أحياه.
قال أحد الصالحين: عرضت على نفسي الجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب، فقلت: أي المكانين تريدين؟ قالت: أريد ساعة أعمل فيها لله، قال: أمسكي الأمنية لتعملي.
وجحا كان عنده من الأمنيات الشيء الكثير، فذات مرة لم يجد طعاماً فرزقه الله بكأس لبن من الجيران، فجلس يفكر في شأن اللبن وكيف يصنع به، فخطرت له فكرة مضمونها: أن يبيع هذا اللبن ويشتري بثمنه فرخين صغيرين، ثم يربيهما حتى يكبرا ثم يزاوج بينهما، ثم ينجبان فروخاً صغيرة، ثم يبيع هذه الفروخ ويشتري بثمنها شاتين، ثم يزاوج بينهما إلى أن يصبح له قطيع من الغنم، ثم بعد ذلك يصبح ثرياً، ثم فجأة ضرب كوب اللبن برجله فسقط وضاع كل شيء؛ وذلك بسبب هذه الأماني الكاذبة وأحلام اليقظة التي رآها.
لكن الدين ليس بالأحلام: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء:123]، {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]، فالقضية أن تعيش بالعمل لا بالأماني.