إن رمضان يأتي والأمة في حالة هزيمة داخلية وشعور بإحباط، وهذه حالة الجميع، وإذا كان الناس مقطبين عابسين فربما لهم العذر مما يحدث لهم من معوقات على مستوى العالم كله، ولكن ليست القضية أن تشغل نفسك بميكروبات وجراثيم الكفر والشرك، لا، القضية أن تشغل نفسك بتقوية جهاز المناعة الإيمانية التي تستطيع أن تقاوم به هذه الجراثيم وتلك الميكروبات، هذا ما صنعه الحبيب صلى الله عليه وسلم.
ففي مكة أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ، ثم أمره الله أن يبلغ دعوته إلى الناس، وكان في مكة ميكروب يسمى أبا جهل، وفيروس يسمى أبا لهب، وجرثومة تسمى عقبة بن أبي معيط، وميكروبات عبارة عن طبقية وسادة وعبيد وخمور وأصحاب رايات حمر، وكل هذه الموبقات كانت موجودة في مكة.
فلو أشغل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بتلك الميكروبات والجراثيم لما استطاع أن يبلغ دعوته، فما الذي صنع؟ إنه إذا وجد طفل ناقص فإن الأطباء يأخذونه ويضعونه في حضانة، لماذا؟ لتقوى عنده أجهزة المناعة، حتى إذا انطلق في العالم الخارجي فإنه يستطيع أن يتحمل الجو الخارجي.
فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالصحابة ووضعهم في هذه الحضانة الإيمانية في دار الأرقم، حتى بلغ عددهم أربعين بإسلام عمر؛ وحينما أسلم عمر كان عمره ستة وعشرين عاماً، ويوم أن أسلم كان عدد المسلمين قبله تسعة وثلاثين مسلماً، فلما دخل في الإسلام صار المسلمون أربعين فيخرج عمر في صف وحمزة بن عبد المطلب في صف أمام مكة كلها.
إذاً: بعد تقوية جهاز المناعة بدءوا يواجهون الميكروبات والجراثيم، فما ضرهم الجرثومة أبو جهل، ولا الميكروب أبو لهب ولا غير ذلك؛ لأن جهاز المناعة قوي، والذي يجعلنا ننهزم نحن في حياتنا هو أن أجهزة المناعة ضعيفة.
والعز بن عبد السلام رجل عالم أيام المماليك وزحف التتار، هذا العالم استطاع أن يحمي الحضارة الإنسانية كلها من الزوال، فقد وقف وقفة جادة حتى باعوا المماليك وأخذوا ثمنهم، وجهزوا الجيوش وحفزوا القوة الشرعية والإيمانية في قلوب الناس، وكان النصر على التتار، فقد أوقِف زحف هؤلاء الجحافل، حتى إنه من كرم الله دخل التتار أنفسهم بعد ذلك في دين الله عز وجل لقوة الإسلام.
إن أي دين يقوى بقوة أتباعه ويضعف بضعفهم إلا الإسلام، فهو قوي في ذاته ولا علاقة له بأتباعه، فلو أن الإسلام مرتبط بأتباعه لاندثر منذ زمن؛ لأن كثيراً منا عبارة عن منخنقة وموقوذة ونطيحة وما أكل السبع.