Q فضيلة الدكتور عمر عبد الكافي! كيف نستعد للقاء الله سبحانه وتعالى ونحسن خاتمتنا؟
صلى الله عليه وسلم لن تصلح أمورنا إلا بما صلحت به أمور أسلافنا، فقد صلحت أمور أسلافنا بالكتاب والسنة، ونحن طالما نؤلف ونضع العقل فيما لا يصلح أن يوضع فيه، فنضع قوانين ومناهج عجيبة لأنفسنا فلن تصلح نهايتنا.
والذي نريد أن نطالب الناس بتطبيقه هو الدين المفروض، أن نرى كل مسلم ومسلمة نسخة من القرآن تسير على الأرض.
والمصيبة الكبرى هي أن نرى حافظ القرآن وهو يتعامل مع البنك الربوي، أو أن زوجته غير محجبة، أو يأكل ميراث الآخرين، أو يظلم فلاناً، أو يجور على حق الجار، فقد صار القرآن حجة عليه، وسوف يأتي ليشهد عليه يوم القيامة، فالمطلوب منا المحافظة على الدين كل والعمل به.
والصحابة رضوان الله عليهم لم تكثر أسئلتهم كما هو الحال في كثرة أسئلتنا، فقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر سؤالاً، لأنهم كانوا يعملون بالدين في واقع حياتهم، أما نحن فلا نعمل، وعلى هذا ربينا، فلنعد صياغة تربيتنا مرة أخرى على منهج الكتاب والسنة.
ولو سار المسلم بمصباح الكتاب والسنة لصغرت في طريقه هذه الفيروسات والميكروبات واضمحلت وما صارت في حياته شيئاً، وما صار في حياته إلا الله ورسوله، فهذا الكلام يقين وليس كلاماً نظرياً، هذا كلام عملي.
فسر في طريق الله تجد الدنيا تسير خلفك، ولن يأتيك منها إلا الحلال، وسوف يأتيك منها نصيبك، فاللص الذي سرق لو صبر لما أخذ ما سرقه إلا من حلال، لكن من يفهم هذا الكلام، والموظف المرتشي لو صبر ولم يرتش ويمد يده لجاءته هذه الرشوة من طريق حلال.
والصبر كلمة تتكون من ثلاثة أحرف، لكن حينما نترجمها إلى تهذيب النفس وإصلاحها، فإنها تستغرق طوال العمر.
ومن حق الإنسان أن يعيش بمرضاة الله، هذه هي المعيشة الحقيقية، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124]، وقال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96] أي: ولتجدنهم أحرص الناس على معيشة الهوام والحشرات والدواب والإبل، أما الحياة الحقيقية فليست إلا بكتاب الله، وحياة القلب عندما يحيا بكتاب الله سواء في رمضان أو في غير رمضان، بالليل أو بالنهار، في العلن أو في السر.
والمسلم إذا أراد أن يحيا الحياة الحقيقية فإنه يضطهد من قبل الحكومات ويطرد ويشرد، وهذا ميراث النبيين، فلن تضاء آخرته إلا إذا احترقت دنياه، ومن احترقت بدايته أشرقت نهايته، يعني: أحرق الشهوات والغرائز، وأحرق اللسان الذي يكذب ويتسول وينم ويخوض ويتكبر، بأن أغفل الشهوات والغرائز ورباها، وزكاها.
وهذا الأمر يحتاج إلى مجاهدة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]، والصحابة جاهدوا أنفسهم، يقول أحدهم: نزل القرآن وكنا أصحاب خمر نشربها، فلما طاف أنس في شوارع المدينة ونادى: يا معشر المسلمين! إن ربكم قد حرم الخمر من فوق سبع سماوات، أراق المسلمون جرار خمورهم في الشوارع حتى كأن سيلاً عرماً أصاب شوارع المدينة، حتى ظلت رائحة الخمر أسبوعاً كاملاً في المدينة من كثرة الخمور ومن كان في فمه جرعة ألقاها، أي: مجها.
فهذا هو الجهاد الحقيقي، وأما نحن فإننا نتفلسف كثيراً، بل إن كثرة الأسئلة وكثرة الفلسفة وكثرة الجدال هي التي أزاحتنا إلى الوراء، لكن يجب علينا أن نضع خطة تعيدنا إلى الكتاب والسنة.
ومن أراد أن ينقي نفسه فليقرأ سيرة السلف، ومن أراد الكتلوج فإنه واضح وبين وبسيط وميسور، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17].
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أريد أن أدخل الإسلام فعلمني، فقال رسول الله: يا أبا ذر! علم أخاك الإسلام، فيقرأ عليه سورة الزلزلة فقط، فيبكي الرجل ويقول: كفاني تعليم، وذهب الصحابي يجاهد في سبيل الله.
فليس من المسلمين من لم يحمل هم الإسلام وهم المسلمين، فيجب علينا أن نحمل هموم الأمة في أن نأخذها بأيديها إلى سواء السبيل، وما نحن إلا ذرة تراب في بناء الإسلام الكبير.