أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفّقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعل تدبيره تدميره، واجعل كيده في نحره، ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، آمين آمين.
وصل اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
ثم أما بعد: فإنه قد طلب مني كثير من الإخوة الأفاضل الذين استمعوا إلى سلسلة المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين، والتي هي بعنوان: فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى، طلب مني ملخصاً لهذه المحاضرة، تجمع رءوس العناوين في كل تلك المحاضرات السابقة.
فلقد وجدت هذا الأمر أصعب من إعداد المادة الأصلية للمحاضرات، وأصابتني حيرة كبيرة جداً لما أخذت في تلخيص هذه المحاضرات الكثيرة، فقد كان عددها اثنتي عشرة محاضرة، فتلخيصها في محاضرة واحدة شيء في منتهى الصعوبة، ومما يزيد من صعوبة الأمر الاثنتي عشرة محاضرة كانت تلخيصاً لأحداث كثيرة ولمواقف متعددة، لكن الله سبحانه وتعالى المستعان.
وقد تحدثنا في سلسلة المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين عن دور الأمة رجالاً ونساءً وأطفالاًً تجاه قضية فلسطين، وكيف نحقق صفة الإيجابية في إنقاذ هذا الوطن الجريح المحتل منذ أكثر من خمسين سنة من حفنة قليلة من اليهود أشد الناس عداوة للمسلمين.
قبل أن نتحدث عن أدوارنا في هذه القضية الخطيرة أود أن أذكّركم عن سبب تسميتها (فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى)؛ فإن بلاد الأندلس سابقاً وأسبانيا والبرتغال الآن لا يسكنها من المسلمين إلا أعداد قليلة جداً لا تتناسب مطلقاً مع التاريخ المجيد الطويل للمسلمين في هذه البلاد، فقد عاش المسلمون في بلاد الأندلس أكثر من ثمانمائة عام، والآن لا يسكنها أكثر من مائة ألف مسلم فقط، ومعظمهم حديث العهد بهذه البلاد، ما تفسير ذلك؟ ولماذا احتلت كثير من البلاد الإسلامية الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها ومع ذلك ما زال جل السكان في هذه البلاد من المسلمين؟ وتفسير ذلك أن الاحتلال الأسباني للأندلس كان احتلالاً من نوع فريد، ما تكرر في العالم إلا قليلاً، كان الاحتلال الأسباني احتلالاً استيطانياً إحلالياً، كانوا إذا أغاروا على بلد من بلاد المسلمين قتلوا أهلها جميعاً أو هجّروهم خارجها، ثم يأتون بالأسبان من أمكان أخرى يوطّنونهم في تلك البلاد، وبذلك قاموا بعملية إحلال للشعب الإسلامي بالشعب الأسباني، حتى إذا انتهوا من آخر مدن الأندلس لم يبق في أرض الأندلس مسلم واحد.
ولما طرد المسلمون من الأندلس أو قتلوا بعد تعذيب وحشي تعلقت قلوب المسلمين في البلاد الإسلامية الأخرى بأرض الأندلس الإسلامية، وتاقت نفوس البعض إلى تحريرها، ولكن مرت السنة والسنتان والقرن والقرنان حتى صارت خمسة قرون، ونسي المسلمون قضية الأندلس، وما عادوا يذكرون الآن غير أسبانيا والبرتغال دولتان أوروبيتان تضمان في أرضهما عدداً مهولاً من الآثار والأبنية الإسلامية والمساجد التي حولت إلى كنائس ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كان هذا هو الاحتلال الأسباني الإحلالي الاستيطاني يستبدل بشعب شعباً آخر، ويحل شعباً مكان شعب، أما احتلال البلاد الإسلامية الأخرى لم يكن على هذه الشاكلة، فاحتلال مصر أو الجزائر أو ليبيا كان بالجيوش، واحتلال الجيوش لا بد وأن ينتهي، ولا بد أن تعود إلى بلادها مهما طال الزمان أو قصر.
والوضع في فلسطين الآن شديد الشبه بالأندلس، فاليهود يقومون بعملية إحلال منظمة للشعب الفلسطيني المسلم بالشعب اليهودي، ولو بقي الحال على ما هو عليه دون أن يتحرك المسلمون فسيأتي يوم تصبح فيه فلسطين أندلساً أخرى، وسيقبل المسلمون الآن بما لم يقبلوا به قديماً، سيقبلون بوجود دولة جديدة في المنطقة اسمها إسرائيل.
إذا تقادم العهد على الاحتلال فسيصبح هذا أمراً واقعاً، فالمسلمون على سبيل المثال منذ ثلاثين سنة كانوا لا يعترفون بالكيان الصهيوني مطلقاً، بل كانوا يصفون اليهود بأنهم مجموعة من اللصوص سطوا على أرض ليست أرضهم فنهبوها واستوطنوها، ثم مرت الأيام -وسبحان الله- وقبل الرافضون القدماء من العرب بوجود إسرائيل وعلى مساحة 78% من الأرض المحتلة، وهي كل أرض فلسطين خلا الضفة الغربية وغزة.
ثم سيقبلون بعد ذلك -وسترون- بأن تحتل إسرائيل مساحة 60% من الضفة الغربية وغزة بالإضافة إلى 78% الأصلية وذلك على هيئة مستوطنات يهودية داخل الضفة الغربية وغزة، ثم ستأتي مرحلة جديدة لا محالة يسعى فيها اليهود لإنهاء الوجود الفلسطيني بالكلية