واحذروا من قاعدة في منتهى الخطورة، وسنة من سنن الله اسمها سنة الاستبدال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38 - 39]، فإن تولى المسلمون استبدلهم الله عز وجل، ويكون الاستبدال على مستوى الفرد والجماعة والأمة بكاملها، فلا بد أن ينتصر دين الله عز وجل، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:55]، بشرط: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55].
وهذا وعد من الله عز وجل، والذي يشك في هذا الوعد فهو يشك في قدرة رب العالمين سبحانه وتعالى، وهو القائل سبحانه وتعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47].
وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]، فهذه كلها دلائل على أن نصر الله عز وجل لا بد أن يتحقق لمن يعمل لله عز وجل؟ والله عز وجل مع أنه رفع الهمة وبث الأمل ونشط المسلمين فقد علم المسلمين المنهج الواقعي في معالجة الأمور، فليس معنى رفع الهمة الغفلة عن الأخطاء وعدم ذكر العيوب، لا، فلابد أن نذكر ولكن بصيغة لطيفة، ولنرفع الهمة ونصلح الأوضاع، ولنكن إيجابيين نكتشف الأخطاء ونصلحها ونرفع الهمة عند المسلمين، ولا نقرع الأبدان، ولا نلهب الظهور بالسياط، ولكن بلطف وبرقة وببث الأمل.
يقول الله سبحانه وتعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]، فهو يضع أمام المسلمين السبب الرئيسي للهزائم في الدنيا، {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152].
وأول آية بعد معركة بدر هي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال:1].
يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه واصفاً داء الأمة الخطير: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)، أي: أن أهل الأرض يجتمعون على أمة الإسلام ليأكلوا منها، بل ويدعو بعضهم بعضاً للأكل منها، فلا تكتفي أمة بالأكل من أمة الإسلام ولكن تدعو غيرها للأكل من أمة الإسلام.
(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول في عون المعبود شرح سنن أبي داود: الغثاء: هو الوسخ الذي يعلو السيل، إذا شرّق السيل شرّق، وإذا غرّب السيل غرّب، وليس له إرادة، فهو لا يتحرك بإرادته، ولكن يتحرك بإرادة السيل، أينما ذهب السيل فهو معه.
(ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم).
فالأعداء يرون المسلمين ملياراً وثلث المليار ولا يكترثون بهم.
(ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم، وليلقين في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟! قال صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا وكراهية الموت)، وحب الدنيا: أن يتمسك الإنسان بالدنيا ويحبها ويرتبط بها، ويكره أن يموت، ويكره لقاء الله عز وجل والموت والشهادة في سبيله الله عز وجل، فإذا وصلت الأمة إلى هذه الحالة كانت النكبات والكوارث والمصائب على رأسها، فالدنيا خطيرة، ولما فقه المسلمون قيمة الدنيا وعلموا أنها فانية زائلة، وأن الفائز حقاً هو من انتصر على نفسه وغلب دنياه وعاش لله عز وجل فقط فتح الله عليهم الدنيا بكاملها، وأعطاهم إياها وهم يزهدون فيها.
ولقد فسر لنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه كيف كان ينتصر عندما بعث رسالة إلى هرمز يقول له فيها: أسلم تسلم، أو اختر لنفسك ولقومك الجزية، وإلا أتيتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
فالجيش والشعب الذي يحب الموت في سبيل الله، والأمة التي تحب الموت في سبيل الله هي الأمة التي يكتب لها الله عز وجل النصر، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34].
وختاماً: