أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
لقائي معكم اليوم حول ملحوظة لاحظتها في حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث مشهور جداً يا إخواني! الحقيقة أن هذه الملحوظة حيرتني وأوقفتني فترة طويلة أمام الحديث أتفكر وأتدبر، الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، الحديث مشهور جداً ومتفق عليه، ويحفظه تقريباً عامة المسلمين.
فيا ترى ما هو الذي حيرني في هذا الحديث؟ تعالوا كذا نفكر سوياً، فالإسلام صرح هائل وبناء عظيم ضخم، فيه عدد مهول من التشريعات والقوانين والأحكام، نظام حياة كامل، ودستور كامل ينظم معاملة المسلم مع ربه، ومعاملة المسلم مع أسرته وجيرانه وأقاربه وأصحابه، حتى مع أعدائه، بل مع كل الناس، الإسلام فيه تشريعات لا حصر لها، يتيه الإنسان في تدبر الكم الهائل من القوانين والأحكام في هذا الدين العظيم، هذا البناء الضخم هو الإسلام.
لكن من كل هذه التشريعات اختار الله عز وجل خمسة أمور فقط، جعلها أساساً لهذا البناء الضخم، قال: (بني الإسلام على خمس)، كل شيء بعد هذا يبنى فوق هذه الخمس، ولو واحدة من هذه الخمس وقعت وقع البناء الضخم كله.
إلى الآن لا شيء محير، لكن المحير الآن أن يكون الحج هو أحد هذه الأعمدة التي يبنى فوقها الإسلام، لماذا الحج بالذات هو المحير؟ لأن الحج عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر، وفي حال الاستطاعة، يعني: الذي لا يستطيع لن يحج، وهناك ملايين من المسلمين على مر العصور لم يحجوا أصلاً؛ لعدم الاستطاعة، سواء كانت عدم استطاعة مالية أو صحية أو أمنية أو غيرها، وحتى الناس الذين حج كثير منهم يحج مرة واحدة في العمر، والإنسان يعيش ستين سنة أو سبعين سنة في المتوسط: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين).
إذاً: الواحد في هذا العمر الطويل لا ينفق في هذه العبادة إلا أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أو قل: شهراً أو شهرين، والآن نسمع عن الحج السريع والحج الفاخر والمريح، فإنك تؤدي فريضة الحج في أسبوع بالكثير، تنزل في فندق عشرة نجوم، فتكون أقرب للحرم من أهل مكة نفسها، لكن المهم أن الموضوع كله بالقياس إلى عمر الإنسان في الأرض بسيط جداً، سواء كان حجاً سريعاً أو حجاً بطيئاً.
فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة في حياة المسلم ليجعلها أساساً لهذا الدين، وعموداً من أعمدة الإسلام، وليس مطلوباً منك هذه الفريضة إلا مرة واحدة في العمر وفي حال الاستطاعة! وإن لم تكن مستطيعاً فليس عليك شيء؟! الأمر يا إخواني يحتاج إلى وقفة وتدبر، قلت: لا بد أن الحج يؤثر على حياة الإنسان بكاملها في الأرض، أي: هناك فوائد تتحقق في الحج وتغير من حياة المسلم الذي أدى هذه الفريضة، بحيث تكون هذه الزيارة العارضة لبيت الله الحرام سبباً في صلاح الفرد رجلاً كان أو امرأة، ومن ثم يستطيع تطبيق بقية شرائع الإسلام، ومن ثم أيضاً يصلح الحج؛ ليكون ركناً من الأركان التي يبنى عليها الإسلام قلت هذا الكلام، لكن واجهتني قضية أخرى، وهي: إن كان هذا صحيحاً في حق الحاج والحاجة فما بال أولئك الذين لم يستطيعوا الحج لأي عذر وهم ليسوا بالقليل؟ ولماذا يجعل الله عز وجل الحج من أساسات الإسلام الرئيسية، وهناك طائفة كبيرة جداً من المؤمنين لم يقوموا به مع كونهم مؤمنين؟ ومع كونهم راغبين فيه ومشتاقين إليه؟ قلت: من المؤكد أن هناك فائدة ما تعود على عموم الأمة سواء كانوا من الحجاج الذين يحجون كل سنة، أو من الحجاج الذين يحجون مرة واحدة فقط في العمر، أو حتى من الناس الذين لم يحجوا أصلاً ولن يستطيعوا أن يحجوا.
من المؤكد أن الحج ليس للحجاج فقط، الحج يفيد الأمة كلها، ومن أجل هذا جعله الله ركناً أساسياً في بناء الإسلام، فيا ترى ما هي مقاصد الشريعة في موضوع الحج؟ بمعنى: ما هي الغاية من الحج؟ وما هي الفوائد المتحققة والآثار الناتجة عن الحج؟