أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً، اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خيراً لنا! اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين! وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
ثم أما بعد: فمع المحاضرة الحادية عشرة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين، ما زلنا في حديث حول بعض الوسائل الإيجابية لمساعدة أهلنا في فلسطين، وواقع الأمر أن هذه الوسائل ليست خاصة بفلسطين فقط، بل إنها تصلح لكل بلاد المسلمين، كما تصلح لكل زمان يمر على أمة المسلمين، فالفهم الصحيح لا يساعد فلسطين، بل هو أساس وركن ركين لحل كل قضايا المسلمين، والأمل وقتل الإحباط لا يساعد فلسطين فقط، بل هو كالروح في الجسد، إن ذهبت الروح فلا حراك للجسد ومصيره إلى تآكل وفناء، وكذلك إن ذهب الأمل أصبحت الأمة بأسرها بلا حراك، ومصيرها إلى تآكل وفناء، وبذل المال لا يساعد فلسطين فقط، فأمة الإسلام لا تقوم إلا على أكتاف من تاقت نفوسهم لبذل المال، وتعاظم حب الله في قلوبهم على ما سواه من مال وأهل وديار ونفس.
فهذه وسائل ثلاث: الفهم، والأمل، والبذل، وهي هامة لفلسطين ولكل منطقة إسلامية جرحت فسالت دماؤها غزيرة، كالشيشان وكشمير والبوسنة، بل هي هامة لكل دولة إسلامية، فأنى لك بأمة صالحة قائدة رائدة بغير فهم متبوع بعمل، وبغير أمل متبوع بحركة، وبغير تعاطف متبوع ببذل، فلا تقوم الأمة بغير ذلك، فنحن لا نبني فلسطين فقط بل نبني أمة بكاملها، ونسأله سبحانه وتعالى التوفيق.
اليوم حديثنا عن وسيلة رابعة لبناء فلسطين بل لبناء الأمة الإسلامية المنشودة، أقدم لهذه الوسيلة بحدث مر عليه أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان لكنه بأبعاده كلها ما زال حياً إلى الساعة، في السنة السابعة من بعثة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد دعوة كريمة من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومقاومة لئيمة من صناديد قريش الكافرين، وبعد إجابة غالبها من ضعفاء القوم، ورفض غالبه من كبراء القوم، بعد هذه السنوات السبع من الدعوة والمقاومة والإجابة والصبر والثبات والتعذيب واليقين والشك اجتمع زعماء الكفر وحلفاؤهم وتآمروا على المسلمين ومن عاونهم ولو لم يكن مسلماً فصنفوا الناس صنفين: الصنف الأول: القبائل المارقة.
والصنف الثاني: القبائل الصديقة.
أما المارقون: فهم المسلمون ومن انحاز لهم، وأما الأصدقاء: فهم من رضي بالكفر، وزعماء الكفر، وحلفاء الكفر، ومن غريب الأمر أن بني المطلب وبني هاشم انحازوا للمسلمين مع كونهم كافرين، حمية وقبلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن غريب الأمر أن زعماء الكفر وحلفاءهم اعتبروا بني هاشم وبني المطلب مارقين أيضاً مع كونهم على نفس ملتهم، لكنها كانت حرباً صريحة على الإسلام، ليس فيها اعتبار لعرق ولا لملة ولا للون، فالصراع بكل وضوح كان صراع أديان.
قرر التحالف الآثم ألا يناكحوا المارقين ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، وكتبوا بذلك وثيقة وأقسموا باللات والعزى وأشباههما ألا يخالفوا وثيقتهم.
ومنظمة القبائل المتحدة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت أنه من العدل والإنصاف، وللحفاظ على الحرية والحضارة والمدنية في مكة، أن تحاصر جماعة المسلمين وزعيمهم محمداً صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب، وبالفعل تم الميثاق وعلقت الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة المشرفة، مع تغطية إعلامية واسعة داخل مكة وخارجها؛ وذلك لتسهيل عملية قتل الأبناء والإخوة.
لا بد من إقناع الجميع أننا ما قتلنا أهلنا في الشعب إلا للحفاظ على النظام العام في مكة، والسلام في المنطقة بأسرها، واشتد الحصار على المسلمين، وقطعت عنهم كل المواد والمؤن، لكن بفضل الله لم يقصف شعب أبي طالب بالرماح، ولم يخترق مجاله الجوي بالسهام، فما زال هناك بصيص رحمة في قلوب الكافرين، كان المشركون لا يتركون طعاماً ولا بيعاً يدخل مكة إلا ابتدروه بالشراء حتى بلغ الجهد بالمسلمين فأكلوا أوراق الشجر والجلود، وكان يسمع من وراء الشعب أصوات النساء والصبيان يتضورون من الجوع.
استمر الحصار الأليم الظالم ثلاث سنوات كاملة، حتى أذن ال