ومن مواقف السيرة الرائعة والدالة على أهمية القراءة موقف فداء الأسرى في بدر، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك أن يفدي نفسه بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة! وبالذات في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية، والأمية لم تكن عيباً في ذلك الزمن، لكن مع ذلك فقد كانت القراءة والكتابة حاجتان أساسيتان لأي أمة تريد النهوض والقيام.
والمسلمون في بدر كانوا يحتاجون إلى الأموال، والاحتفاظ بالأسرى؛ للضغط على قريش، ولتبادل الأسرى إن حدث أن أسر أحد المسلمين، ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع ما هو أهم من كل ذلك، وهو أن يعلّم المسلمين القراءة.
والصحابي الذي كان يستطيع أن يقرأ في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقدَّم دائماً على غيره، فـ زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه قُدم على كثير من الصحابة، وصار ملاصقاً لرسول صلى الله عليه وسلم ملاصقة شبه دائمة؛ لأنه يُتقن القراءة والكتابة، حتى صار كاتبًا للوحي والرسائل، ومترجماً للسريانية والعبرية، كل ذلك وعمره ثلاث عشرة سنة، أي: كأول إعدادي أو ثاني إعدادي في زمننا الآن.
وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، كان أكثر صحابي حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أكثر من خمسة آلاف حديث، فقد قال عن نفسه كما جاء في البخاري: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، فهو يستثني واحداً ممن روى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ لأنه يقرأ ويكتب.