وَيجوز أَن تنون تترى كَمَا تنون أرطى وَألا تنون مثل سكرى، وَقد قرئَ بهما جَمِيعًا.
وَحكى أَبُو بكر الصولي قَالَ: كتب أحد الأدباء إِلَى صديق لَهُ، وَقد أَبْطَأَ جَوَابه عَنهُ: كتبت إِلَيْك فَمَا أجبْت، وتابعت فَمَا واترت، وأضبرت فأفردت، وجمعت فَمَا وحدت.
فَكتب إِلَيْهِ صديقه: الْجفَاء المستمر على الْأَزْمَان، أحسن من بعض الْخطاب للإخوان.
فيحرفونه فِي مَوْضِعه، ويعكسون حَقِيقَة الْمَعْنى فِي وَضعه، لِأَن الْعَرَب تَقول: أزف الشَّيْء بِمَعْنى دنا واقترب، لَا بِمَعْنى حضر وَوَقع، يدل على ذَلِك أَن سُبْحَانَهُ سمى السَّاعَة آزفة وَهِي منتظرة لَا حَاضِرَة، وَقَالَ عز وَجل فِيهَا: {أزفت الآزفة} ، أَي دنا ميقاتها وَقرب أوانها، كَمَا صرح جلّ اسْمه بِهَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله سُبْحَانَهُ: {اقْتَرَبت السَّاعَة} ، وَالْمرَاد بِذكر اقترابها التَّنْبِيه على أَن مَا مضى من أمد الدُّنْيَا أَضْعَاف مَا بَقِي مِنْهُ، ليتعظ أولو الْأَلْبَاب بِهِ.
وَمِمَّا يدل أَيْضا على أَن أزف بِمَعْنى اقْترب، قَول النَّابِغَة:
أزف الترحل غير أَن رِكَابنَا
لما تزل برحالنا وَكَأن قد)
فتصريحه بِأَن الركاب مَا زَالَت، يشْهد بِأَن معنى قَوْله: أزف، أَي اقْترب، إِذْ لَو كَانَ قد وَقع لَسَارَتْ الركاب.
وَمعنى قَوْله: وَكَأن قد أَي وَكَأن قد سَارَتْ، فَحذف الْفِعْل لدلَالَة مَا بَقِي على مَا ألْقى.
وَنبهَ بقد على شدَّة التوقع وتداني الْإِيقَاع لَهُ.
وَالْعرب تَقول فِي كل مَا يتَوَقَّع حُلُوله، ويرصد وُقُوعه: كَانَ قد، أَي كَانَ قد وجد كَونه، وأظل وقعه.