لِقَوْمِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تقبروني إِذا قتلت وَلَكِن اتركوني للَّتِي يُقَال لَهَا: ابشري أم عَامر فَجعل هَذِه الْجُمْلَة لقباً لَهَا، وأوردها على وَجه الْحِكَايَة كَمَا قيل لِثَابِت بن جَابر الفهمي: تأبط شرا، بِأَخْذِهِ سَيْفا تَحت إبطه.
وَإِنَّمَا لقب الضبع بذلك، لِأَن من عَادَة من يروم اصطيادها من وجارها، أَن يَقُول لَهَا حِين يتحفر عَنْهَا: ابشري أم عامرٍ، خامري أم عامرٍ، وَهِي تبتعد مِنْهُ وتروغ عَنهُ، وَهُوَ لَا يزَال يُكَرر ذَلِك عَلَيْهَا ويؤنسها بِهِ إِلَى أَن تبرز إِلَيْهِ وتسلم نَفسهَا لَهُ، وَلأَجل إنخداعها بِهَذَا القَوْل نسبت إِلَى الْحمق وَضرب بهَا الْمثل فِيهِ.
وَأما قَوْله: وَفِي الرَّأْس أكثري، فَإِنَّهُ عَنى بِهِ أَن فِيهِ أَرْبعا من الْحَواس الْخمس الَّتِي بهَا كملت فَضِيلَة الْإِنْسَان، وامتاز عَن سَائِر الْحَيَوَان، وَإِنَّمَا اخْتَار هَذَا الشَّاعِر تسليط الضبع على أكله وَألا يقبر بعد قَتله، ليَكُون هَذَا الْفِعْل أوجع لقلوب قومه، وأدعى لَهُم إِلَى السؤور بدمه، وَقد فسر بِغَيْر ذَلِك إِلَّا أَنا لم نضع هَذَا الْكتاب لهَذَا الْفَنّ فنستقصي فِيمَا نشرح مِنْهُ، وَإِنَّمَا شذرناه بِمَا نظمناه من غير سمطه فِيهِ.
وَجَاء فِي الْأَثر أَن الصَّحَابَة لما اخْتلفُوا فِي الموؤودة قَالَ لَهُم عَليّ كرم الله وَجهه: أَنَّهَا لَا تكون موؤودة حَتَّى تَأتي عَلَيْهَا التارات السَّبع، فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: صدقت أَطَالَ الله بَقَاءَك وَكَانَ أول من نطق بِهَذَا الدُّعَاء، وَأَرَادَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ بالتارات السَّبع طَبَقَات الْخلق السَّبع المبينة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما ًفكسونا الْعِظَام لَحْمًا ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا}