وَالْعلَّة فِي وجوب إِثْبَات الْوَاو فِي هَذَا الْكَلَام أَن لَفْظَة إياك مَنْصُوبَة بإضمار فعل تَقْدِيره: اتَّقِ أَو باعد، واستغني عَن إِظْهَار هَذَا الْفِعْل لما تضمن هَذَا الْكَلَام من معنى التحذير وَهَذَا الْفِعْل إِنَّمَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، فَإِذا كَانَ قد استوفى عمله ونطق بعده باسم آخر لزم إِدْخَال حرف الْعَطف عَلَيْهِ، كَمَا لَو قلت: اتَّقِ الشَّرّ والأسد، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الْمَفْعُول الثَّانِي حرف جر، كَقَوْلِك: إياك من الْأسد، أَي باعد نَفسك من الْأسد.
فَإِن قيل: فَكيف يجوز أَن يُقَال: إياك والأسد، فَيَأْتِي بِالْوَاو الَّتِي مَعْنَاهَا الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ، وَأَنت إِنَّمَا أَمرته أَن يباعد نَفسه، وَلم تَأمره أَن يباعد الْأسد فَالْجَوَاب عَنهُ أَنه إِذا باعد نَفسه من الْأسد كَانَ بِمَنْزِلَة تبعيده الْأسد.
وَقد جوز إِلْغَاء الْوَاو عِنْد تَكْرِير لَفْظَة إياك، كَمَا اسْتغنى عَن إِظْهَار الْفِعْل مَعَ تَكْرِير الِاسْم فِي مثل قَوْلك: الطَّرِيق الطَّرِيق وأشباهه، وَعَلِيهِ قَول الشَّاعِر:
(فإياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب)
فَإِن قلت: إياك أَن تقرب الْأسد.
فالأجود أَن تلْحق بِهِ الْوَاو، لِأَن أَن مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْمصدر، فَأشبه قَوْلك: إياك ومقاربة الْأسد.
وَيجوز إِلْغَاء الْوَاو فِيهِ على أَن تكون أَن وَمَا بعْدهَا من الْفِعْل للتَّعْلِيل وتبيين سَبَب التحذير، فكأنك قلت: أحذرك لأجل أَن تقرب الْأسد، وَعَلِيهِ قَول الشَّاعِر:
(فبح بالسرائر فِي أَهلهَا ... وَإِيَّاك فِي غَيرهم أَن تبوحا)
وَمِمَّا ينخرط فِي سلك هَذَا الْفَنّ أَنهم رُبمَا أجابوا المستخبر عَن الشَّيْء بِلَا النافية ثمَّ عقبوها بِالدُّعَاءِ لَهُ، فيستحيل الْكَلَام إِلَى الدُّعَاء عَلَيْهِ، كَمَا روى أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رأى رجلا بِيَدِهِ ثوب، فَقَالَ لَهُ: أتبيع هَذَا الثَّوْب فَقَالَ: لَا عافاك الله، فَقَالَ: لقد علمْتُم لَو تتعلمون هلا قلت: لَا وعافاك الله