- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِعْجَالَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ، وَقَوْلُهُ مُبَاشَرَةً احْتِرَازٌ عَنْ التَّسْبِيبِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ (إلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ (أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا) ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ.

(وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيَّزٍ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا لَمْ يَجُزْ أَصْلًا (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يَعْنِي إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَجُزْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ (أَوْ أَضَافَهَا إلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: إذَا أَدْرَكْتُ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ.

(وَ) لَا (مِنْ عَبْدٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ (وَمُكَاتَبٍ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ فِي صُورَةِ تَرْكِ الْوَفَاءَ (إلَّا إذَا أَضَافَاهَا) أَيْ أَضَافَ الْعَبْدَ، وَالْمُكَاتَبَ الْوَصِيَّةَ (إلَى الْعِتْقِ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا تَامَّةٌ، وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ إسْقَاطِهِ.

(وَلَا مِنْ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ بِالْإِشَارَةِ) اعْلَمْ أَنَّ إيمَاءَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا كَانَتْ مَعْهُودَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ وَقُدِّرَ الِامْتِدَادُ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ إنْ دَامَتْ الْعَقْلَةُ إلَى الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.

(قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ (فَيَبْطُلُ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا عَلَى دِرْهَمٍ فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا بَاطِلٌ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا مَرَّ.

(وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبُولِ (يُمْلَكُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْلَكُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِلَا اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ الْأَحْكَامُ جَبْرًا مِنْ الشَّارِعِ بِلَا قَبُولٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (إلَّا إذَا مَاتَ مُوصِيهِ ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِلَا قَبُولٍ (فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (لِوَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةُ الْمُوصَى لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَمُشْتَرٍ مَاتَ قَبْلَ قَبُولِهِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ.

(وَلَهُ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُوصِي (الرُّجُوعُ عَنْهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (بِقَوْلٍ صَرِيحٍ) نَحْوُ رَجَعْت عَمَّا أَوْصَيْت لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ كَالْهِبَةِ (وَفِعْلٍ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ) كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ (أَوْ يَزِيدُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا يَمْنَعُ تَسْلِيمَهُ بِدُونِهِ كَالْبِنَاءِ أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ) فَإِنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا بَاعَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي مِلْكِهِ فَإِذَا زَالَ عَنْهُ كَانَ رُجُوعًا وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا رُجُوعٌ لِأَنَّهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَوْ وَصَّى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ اهـ.

فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْمَنُ هُوَ الْمُرَادَ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ إذْ الْكَلَامُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لَا الْإِرْثِ (قَوْلُهُ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ عَمْدًا بَعْدَهَا أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُلْغَاةً بِالِاتِّفَاقِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا) مَعْطُوفٌ عَلَى بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَلَا يُحْتَاجُ هُنَا إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَلِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ اهـ.

وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ خَطَأً أَنَّ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الِاسْتِعْجَالِ

(قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ صَبِيٍّ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) لَكِنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ يُكَفَّنُ بِكَفَنٍ وَسَطٍ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ لَا يُرَاعَى شَرَائِطُ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ سِتَّةِ أَثْوَابٍ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا بِقُرْبِ فُلَانٍ الزَّاهِدِ يُرَاعَى شَرْطُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي التَّرِكَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُقْبَرَ مَعَ فُلَانٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لَا يُرَاعَى شَرْطُهُ

(قَوْلُهُ: قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) كَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَا تَصِحُّ بِإِشَارَةِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ إلَّا إذَا دَامَ إلَى الْمَوْتِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015