إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ (لَوْ) كَانَ قَضَاؤُهُ (نَاسِيًا مَذْهَبَهُ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ (قِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ فِيهِمَا) فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ بَلْ يَرَى خِلَافَهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي
(لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ الْآخَرَ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ (إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ وَوَصِيِّهِ أَوْ شَرْعًا كَوَصِيِّ الْقَاضِي أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ) وَيَصِيرُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (كَمَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى ذِي يَدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الْمُدَّعَى مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ عَلَى الْحَاضِرِ كَانَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ) يَعْنِي ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُدَّعِي لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ (وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ (شَرْطًا) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ (لَا) أَيْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ (إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ) كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَقَامَتْ زَوْجَةُ الْحَالِفِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْغَائِبِ لِإِبْطَالِ نِكَاحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِ فُلَانٍ الدَّارَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَائِبِ وَهَاهُنَا زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُنْيَةِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيَنْظُرْ فِيهَا (وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَائِبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ (فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ عِنْدَنَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
(التَّرِكَةُ إذَا اُسْتُغْرِقَتْ بِالدَّيْنِ فَوِلَايَةُ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ) إذْ لَا مِلْكَ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْبَيْعِ (يُقْرِضُ) أَيْ الْقَاضِي (مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ وَيُكْتَبُ) أَيْ الصَّكُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. . . إلَخْ) الْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ وَجْهِ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدِ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ.
وَنُقِلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ. اهـ.
(فَائِدَةٌ) الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إذَا فُسِخَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ حُكِيَ عَنْ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا تُقْبَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ كَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَيْهِ اهـ
(قَوْلُهُ التَّرِكَةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي إلَّا بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ. اهـ. فَكَذَلِكَ لَا تُبَاعُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا لَهُمْ مِنْ حَقِّ إمْسَاكِهَا وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِلْوَارِثِ كَالْمَوْلَى (قَوْلُهُ يُقْرِضُ مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ) يَعْنِي مِنْ مَلِيءٍ يُؤْتَمَنُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْجُحُودَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ حَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ الْمُعْسِرَ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءً كَذَا فِي التَّبْيِينِ