الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَمْضَى) جَزَاءُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي نَفَذَ
(قَضَاءُ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ وَتَابَ أَوْ) قَضَاءُ (الْأَعْمَى أَوْ) قَضَاءُ (امْرَأَةٍ) قَوْلُهُ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَضَاءُ (أَوْ) قَضَاءُ (قَاضٍ لِامْرَأَتِهِ، وَ) قَاضٍ (بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ التَّائِبِ، وَ) شَهَادَةِ (الْأَعْمَى، وَ) قَاضٍ (لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا، وَ) قَاضٍ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ بِشَهَادَتِهَا) أَيْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ (نَفَذَ) أَمْرُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَلَمْ يُخَالِفْ مَا ذُكِرَ (حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ الثَّالِثُ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ كَالثَّانِي وَالْأَوَّلَ تَأَيَّدَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَأَيَّدْ بِهِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالْقَضَاءُ حَقُّ الشَّرْعِ يَجِبُ صِيَانَتُهُ وَمِنْ صِيَانَتِهِ أَنْ يَلْزَمَ وَلَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ
(وَأَمَّا قَضَاءُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.
(وَ) قَضَاءُ (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا يَنْفُذُ أَبَدًا) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ عَلَيْهِ (يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقَتْلِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ فِي يَوْمِ كَذَا وَقَضَى بِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ الْمَيِّتَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَسْمَعُ وَيَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَلَوْ ادَّعَى قَتْلَهُ فِيهِ وَقَضَى بِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ بَعْدَهُ كَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا لِأُمِّي وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثًا لِي وَقَضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ أُمَّكَ الَّتِي تَدَّعِي الْإِرْثَ عَنْهَا مَاتَتْ قَبْلَ فُلَانٍ الَّذِي تَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ أَوَّلًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَسِرُّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ النِّزَاعِ، وَالْمَوْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لِيَرْتَفِعَ بِإِثْبَاتِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَحَلٌّ لِلنِّزَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى
(الْقَضَاءُ بِحِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ) يَعْنِي الْعُقُودَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْفُسُوخَ كَالْإِقَالَةِ وَالْفُرْقَةِ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا (بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَفِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يُقَدَّمُ النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ تَصْحِيحًا لِلْقَضَاءِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفَاذِ ظَاهِرًا أَنْ يُسَلِّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا إلَى الرَّجُلِ وَيَقُولَ سَلِّمِي نَفْسَكِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَبِالنَّفَاذِ بَاطِنًا أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِقَضَائِهِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَكَانَ الشُّهُودُ زُورًا بِدَلِيلِ الْقِصَّةِ
(الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ (بِخِلَافِ رَأْيِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ الْمُرَادُ بِخِلَافِ الرَّأْيِ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِي يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) الْمُرَادُ بِالْبَاقِينَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَضَاؤُهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَافِذًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَصَرَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِظُهُورِ أَدِلَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلِيلِهِ وَإِنْ بَالَغَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فِي تَوْجِيهِهِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ اهـ