اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ فَأَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْجَرْحِ إنْ كَانَ الْجَرْحُ جَرْحًا مُجَرَّدًا لَا يَعْتَبِرُ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هَذَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ فَأَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَقُولُ حَقِيقَتُهُ أَنَّ جَرْحَ الشَّاهِدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَهِيَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَلِذَا قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَبَعْدَ التَّعْدِيلِ رَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَرْحُ الْمُعْتَبَرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَغَيْرِ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَصَلِّفِينَ بِلَا شُعُورٍ عَلَى مُرَادِ الْقَائِلِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ ذَاهِلٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَافِلٌ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْغَرَضُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُقَيِّدَةِ وَلِذَلِكَ قُلْت (بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَقَبْلَهُ قُبِلَتْ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْمُدَّعِي فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ) عَلَى إقْرَارِهِمْ (أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ) عَلَى إقْرَارِهِمْ (أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ) وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَاتُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ كَمَا عَرَفْت وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ كَمَا مَرَّ (وَقُبِلَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ) إقْرَارِهِ (بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ أَوْ بِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي دَعْوَاهُ.
(وَ) قُبِلَتْ أَيْضًا (عَلَى أَنَّهُمْ) أَيْ الشُّهُودَ (عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ بِقَذْفٍ أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ) بِأَنْ لَمْ يَزَلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي قَيَّدَ بِعَدَمِ التَّقَادُمِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ (أَوْ شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى مَالٌ) هُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ (أَوْ قَذَفَةٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ إيَّاهُ) أَيْ الْأَجْرَ (مِمَّا كَانَ لِي عِنْدَهُ أَوْ إنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ زُورًا وَشَهِدُوا زُورًا فَأَنَا أَطْلُبُ مَا أَعْطَيْتُهُمْ) وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا حَقَّ اللَّهِ وَفِي بَعْضِهَا حَقَّ الْعَبْدِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إحْيَاءِ هَذِهِ الْحُقُوقِ
(مِنْ) أَيِّ شَاهِدٍ (رَدَّهُ قَاضٍ فِي حَادِثَةٍ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهَا (لَيْسَ لِآخَرَ) أَيْ قَاضٍ غَيْرَهُ (قَبُولُهُ فِيهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ رَدَّ الْأَوَّلِ لِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الثَّانِي لَهُ
(شَهَادَةٌ قَاصِرَةٌ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ تُقْبَلُ فِي مِثْلِ إنْ شَهِدَا بِالدَّارِ بِلَا ذِكْرٍ أَنَّهَا فِي يَدِ الْخَصْمِ فَتَشْهَدُ بِهِ آخَرَانِ) فَإِنَّهُمَا يُقْبَلَانِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ كِلَا الْحُكْمَيْنِ بِشَهَادَةِ فَرِيقٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقُبِلَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ إقْرَارِهِ بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ) تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ بِرَهْنٍ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ صَحَّ الدَّفْعُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ مِنْ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ إلَى أَنْ قَالَ مِنْهُ مَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ زَنَى اهـ فَذِكْرُ الشُّرْبِ وَالزِّنَا فِي كُلٍّ مِنْ صُوَرِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ وَقَعَ فِي عَدِّ صُوَرِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ وَفِي صُوَرِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ شَرِبَ أَوْ زَنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ جَرْحًا مُجَرَّدًا لِتَضَمُّنِهِ دَعْوَى حَقِّ اللَّهِ وَهُوَ الْحَدُّ وَيَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ وَتَأْوِيلٍ. اهـ.
(قُلْت) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالتَّأْوِيلُ مِمَّا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا أَطْلَقَ فِي أَنَّهُ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَرَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ لَا تُقْبَلُ لِلتَّقَادُمِ فَيُحْمَلُ مَا فِي صُوَرِ الْجَرْحِ عَلَى هَذَا وَإِنْ بَيَّنَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتَقَادِمًا تُقْبَلْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صُوَرِ الْقَبُولِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةً أَوْ زَنَوْا إلَخْ. اهـ.
فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبِعَ مَا أَوَّلَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَلَامَهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ